بداية.. أود تصحيح مصطلح تتناقله الدوائر السياسية ووسائل الإعلام هو أن هناك أطرافاً كثيرة تسعي للمصالحة بين "مصر وتركيا".. هذا قول خاطئ.. الصحيح هو بين مصر "شعباً ورئيساً وحكومة ومؤسسات" ونظام رجب طيب أردوغان. وليس تركيا.. فنحن نكن كل الحب والاحترام للشعب التركي الرافض لممارسات نظامه السياسي تجاه مصر. اليوم.. سأحاول تلجيم قلمي حتي لا ينفلت. خاصة أن الموضوع لا يستوجب أبداً الكلام فيه بأدب.. وأناقش هذه المصالحة ودوافعها وشروطها بمنطق وموضوعية: * أولاً.. نحن لم تصدُر منا أي إساءة لا لتركيا طبعاً. ولا حتي لنظام أردوغان.. بل هو الذي بدأ المعاداة والتطاول والتحري ودعم الإرهاب ضدنا منذ سقوط جماعته الإرهابية. ومازال مستمراً في هذا الأسلوب. فاضطررنا للرد عليه بما يستحق. * ثانياً.. بعض الساعين لهذه المصالحة يظنون أن هذا كفيل "بلم اللُحمة" الإسلامية السُنية في مواجهة خطر التيار الشيعي الذي يسعي للسيطرة علي المنطقة.. وأري أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه بأردوغان تحديداً لأن له مصالح عليا مع إيران. وله أطماع سلطوية لإعادة بعث الدولة العثمانية ولو علي حساب كل دول وشعوب المنطقة.. ألم يسأل أحد نفسه: أليس أردوغان هو رجل أمريكا والداعم الرئيسي لداعش؟!.. لماذا أقام قاعدة عسكرية في قطر بالذات؟!! * ثالثاً.. البعض الآخر من الساعين للمصالحة وفي مقدمتهم أمريكا يستهدفون زيادة الفوضي في المنطقة. وليس استقرارها. كما يزعمون.. ألم يسأل أحد نفسه أيضاً: لماذا سعي أردوغان إلي رفع مستوي العلاقات بينه وبين إسرائيل. لكي تكون استراتيجية في هذا التوقيت بالذات؟!! * رابعاً.. قالوا إن أردوغان متجاوب مع مبادرة المصالحة مع مصر.. وأرد عليهم بأن هذا غير صحيح بالمرة.. فكل همه أن يتسلم قمة منظمة التعاون الإسلامي المقرر عقدها الأسبوع القادم في اسطنبول من مصر بشكل لائق. ومن الرئيس السيسي شخصياً. ويعتبر ذلك "الفاجورة" التي يسترد بها أسهمه. ويواجه معارضيه الذين يتهمونه علي حق بتقويض علاقات البلدين. * خامساً.. سيُقال لنا: "اصفحوا الصفح الجميل". ونرد عليهم: ونحن مستعدون.. ولكن هذا الصفح الجميل الذي هو للَّه. له أسس وضوابط حتي تظل الصفحة الجديدة بيضاء من غير سوء: 1- من حق أردوغان أن تكون له قناعاته الشخصية.. علماني أو إخواني. أو من غير ملة خالص. لا يهمنا.. كل ما يهمنا أن يتوقف عن تصريحاته ومواقفه العدائية تجاهنا و"يلم" أصابعه الأربعة التي يرفعها في كل مناسبة لأنها تعبر عن اتجاه مضاد لمصر. 2- أن يحترم إرادة واختيار الشعب المصري. ويعترف بثورة 30 يونيه. وبأن نظام الحكم الحالي شرعي. رغم أن اعترافه أو عدم اعترافه لن يُقدم أو يؤخر.. لكن المنطق يقول: كيف يتصالح مع نظام لا يعترف به جاء بثورة شعبية غير مسبوقة. ويراها هو انقلاباً؟!! 3- أن يوقف كل حملات الهجوم علي مصر. ويغلق كافة الفضائيات الإخوانية المعادية لنا. والتي تبث سمومها من اسطنبول. 4- أن يرفع غطاء الحماية الذي يضفيه علي الإخوان وتنظيمهم الدولي. وأن يسلم لنا الهاربين منهم المطلوبين للعدالة. حتي يحاكموا علي جرائمهم في مصر. هنا فقط يكون "الصفح الجميل" ونقول له: "عفا الله عما سلف" ونبدأ نتعامل سوياً وفق المصالح المشتركة.. لكن يقيني أنه لن يستطيع عمل ذلك. وسيدخل في مناورات حتي تمر قمة اسطنبول. وبالتالي فإنه لا يستحق العفو. و"الصفح الجميل". أخيراً.. أقول للرئيس السيسي: لا تذهب إلي اسطنبول يا ريس إلا إذا نفَّذ أردوغان كل الشروط الأربعة سالفة الذكر علي الأرض وليس علي "النوتة".. ولو أني ضد ذهابك أصلاً حتي إذا تحققت المصالحة. لأنها رحلة محفوفة بالمخاطر.. ربنا يستر.