حاسبوا فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المصري وأودعوه سجن مزرعة طره.. حاسبوه علي كل ما قدمه للبنوك والاقتصاد المصري.. حاسبوه علي النجاح الذي حققه وفشل فيه سابقوه من محافظي البنك المركزي ورؤساء اتحاد البنوك.. ووزراء سابقين كانوا يشكلون تحالفاً للتحكم في البنوك المصرية ومقدراتها قبل أن يأتي فاروق العقدة رئيسا للبنك الأهلي المصري ومن بعدها بأشهر قلائل محافظا للبنك المركزي المصري.. وبعد مجيئه اكتشف هؤلاء انه "عقدة" بالفعل بل "لقمة" تقف في حلق كل منهم تصدهم عن المضي قدماً في مخططاتهم للتخريب ونهب البنوك المصرية. نعم لقد كان د. عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق آنذاك ووزراؤه الأعز علي نفسه الأقرب إلي قلبه لا يتحرك إلا بمشورتهم خاصة فيما يخص الاقتصاد والبنوك.. الأول "جو" كما كان يحلو له أن يناديه وهو د. يوسف بطرس غالي الذي كان وزيراً للمالية وكان وزيراً للاقتصاد قبلها ثم هرب بأعماله في بداية الثورة عندما استشعر انه ضائع وستتم محاسبته لا محالة.. وأدرك انه لا نجاة له من العقاب إلا بالفرار هاربا خارج البلاد.. والثاني هو "حوده" د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار السابق ومهندس عمليات الخصخصة ومنفذها الذي ابتسم له الحظ وقدم له خدماته دون أن يدري فتم ترشيحه للعمل بالبنك الدولي قبل الثورة فنسيه أو تناساه الثوار فلم يناد أحد بمحاسبته علي كل ما اقترف وفعل في حق الاقتصاد المصري فقد كان الابن المدلل لعاطف عبيد.. ثم بعد ذلك بفترة ظهر غيرهما من أمثال رشيد محمد رشيد وهشام طلعت مصطفي وأحمد عز وغيرهم ممن تفننوا في إدارة المعارك ضد فاروق العقدة وسياساته التي أغلقت دونهم أبواب نهب البنوك بالضبة والمفتاح. نعم لقد كان د. عبيد وحلفه يفعلون كل ما يحلو لهم ويروق.. وينفذون كل ما يخططون له في حق البنوك.. وما يعن لهم من أفكار هدامة بلا رادع أو وازع من ضمير سواء أكان ذلك عن علم.. أو جهل.. أو سوء قصد ونية ثم كان أن أطاح الثلاثي بإسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق بعد الفشل الذريع للجميع في ضبط سوق الصرف ثم أتوا بعد ذلك بنائبه الضعيف د. محمود أبوالعيون لتزداد الأمور سوءاً وضعفا وتعقيدا ويرتفع الدولار وتستشري السوق السوداء للعملة وتستأسد بلا رادع ولا ضابط لها. كانوا يعقدون اجتماعات كثيرة متتالية في محاولة منهم لضبط سوق الصرف والتحكم في سعر الدولار الذي فرض قلاعه وأحكم سيطرته علي السوق الذي انقسم بفضل سياساتهم الخاطئة والفاشلة إلي سوقين يعملان معاً بالتوازي وهما السوق الرسمية والسوق الموازية أو غير الرسمية "السوداء" التي أصبحت تأكل الأخضر واليابس. ترك عاطف عبيد مشكلات الشعب المصري تتفاقم وترك قضايا مصر الكبري وتفرغ ومعه عباقرته "جو.. وحوده" للبنوك بل لجزئية واحدة فقط وهي كيفية التحكم في سعر الدولار وضبط سوق الصرف.. وكل يوم كنا نفاجأ بجديد من اجتماعات وقرارات وقوانين ثم الإلغاء السريع لها والبحث عن غيرها دون جدوي حتي كان الاجتماع الأشهر في أحضان الطبيعة بفندق فلسطين "هلنان المنتزه" بالإسكندرية والذي حضره جميع قيادات البنوك من الصفين الأول والثاني وإدارات الأموال ومسئولي الالتزام بالبنوك لا لشيء سوي لإيجاد حل لمشكلة الدولار وسعر الصرف كل ذلك في ظل احتياطي نقدي متدن.. ولكن كل هؤلاء كانوا للأسف يفتقدون وجود القائد الفاهم الواعي الفاتح القادر علي اتخاذ القرارات السليمة في الأوقات المناسبة بلا تردد أو خوف فلم يتم حل المشكلة. بعد ذلك بقليل تم تعيين د. فاروق العقدة محافظا للبنك المركزي المصري ومن ذلك الوقت قرر حسم الأمر ووضع حلول علمية لكل المشكلات والسلبيات التي تعاني منها البنوك المصرية.. وقرر في نفس الوقت وضع حد للتدخلات المستمرة في شئون البنك المركزي المصري فكان بمثابة الشوكة في حلق الثلاثي الذين دبروا المكائد للتخلص منه دون جدوي ثم سرعان ما وضع حلاً لتدهور سوق الصرف وملك زمام أمره فطوعه ولان له.. وتفرغ د. عبيد لأول مرة منذ فترة طويلة لإدارة شئون حكومته وترك جانب البنوك لكنه ورفاقه لم يتركوا فرصة للضرب تحت الحزام ضد فاروق العقدة إلا استغلوها جيدا لكن الرجل كان قويا صلدا كالفولاذ لا ينكسر ولا يتزعزع إيمانه بالله فهذا هو القائد المحنك القوي الشكيمة الذي أحكم قبضته علي البنوك ووضع يده علي مشكلاتها وعيوبها ونقاط ضعفها فكان كالطبيب الماهر الذي نجح في تشخيص الداء وتحديد الدواء لعلاج كل ما تئن منه البنوك. لقد أصبحت البنوك المصرية في عهد فاروق العقدة قوية قادرة علي تحمل الصدمات ثم بعد نجاحه في إحكام سيطرته علي سوق وسعر الصرف بدأ في بناء احتياطي نقدي قوي وصل إلي أكثر من 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير مباشرة. ان فاروق العقدة هو الرجل الوحيد في موقعه بالبنك المركزي الذي التفت حوله كل القيادات من رؤساء البنوك العاملة في مصر بحب وتقدير وإعجاب بمهاراته وقدراته الهائلة في تواضع يحسد عليه.. وقد كان معلوماً لدي الجميع أن محافظي المركزي قبل العقدة كانوا يجمعون رؤساء البنوك في اجتماعات منتظمة للمنظرة والتوبيخ وسماع الموشحات.. ولهذا كانوا لا يتمتعون بكل هذا الحب الذي ينعم به فاروق العقدة داخل القطاع المصرفي حيث أصبحت التعليمات والتوجيهات الرقابية تصدر من المركزي إلي البنوك بحب وحزم وحسم في آن واحد.. وقد شهدوا جميعا بلا استثناء ان العقدة هو الأفضل علي الاطلاق بين محافظي البنك المركزي خلال 50 عاماً الماضية.. والأقدر علي إدارة دفة البنوك والقطاع المصرفي بأكمله. لهذا كله أقول حاسبوه بعد أن بدأت تعلو بعض الأصوات من هنا وهناك تطالب بإقالته ومحاسبته.. انه باختصار شديد قد نجح في جعل القطاع المصرفي هو القطاع الوحيد المستقر الذي يدار بنجاح وتفرد داخل مصر وكأنه مؤسسة عسكرية لا تشوبها شائبة ولا يتسلل إليها الخطأ. ان القطاع المصرفي نجح بشهادة الجميع في تحمل تبعات الأزمة المالية العالمية التي زلزلت اقتصادات العالم بعد اجتيازه كل اختبارات التحمل التي تعرض لها خلال الأزمات التي مرت بمصر وخرج منها جميعا سليما معافي قويا.. قادرا علي التصدي ومازال هكذا حتي الآن بفضل إدارته المتميزة. لقد مر فاروق العقدة بتجارب كثيرة وحروب ضارية أراد أصحابها الإضرار به والنيل منه إلا أنها فشلت جميعها وتحملها هو ودفع ثمنها من دمه وأعصابه.. وقد قرر أن يضمنها كتابا يكتبه عن حياته المصرفية بالبنك المركزي سوف يحكي فيه كل الأسرار.. ولكن بعد ترك موقعه الحالي. انه خادم مخلص أمين لبلاده لكنه لم يسع يوماً إلي سلطة أو جاه فكثيرا ما خرجت علينا الشائعات ترشحه لرئاسة وزراء مصر لكنه كان يعلن دائماً للمقربين منه انه لا يريدها ولا يسعي وراء أي سلطة وانه يحلم باليوم الذي يرتاح فيه بعيدا عن المناصب. انه المسئول الوحيد في مصر الذي اعتلي هذا المنصب بلا ضجيج حيث لم يطلق تصريحا فرديا خاصا ولو لمرة واحدة حيث لا يمكن لأي صحفي أن يكتب علي لسانه تصريحات خاصة فلم يصرح إلا من خلال مؤتمرات صحفية عددها قليل معدود علي أصابع اليدين خلال الفترة التي تولي فيها رئاسة المركزي المصري حيث بدأ تاريخه في هذا الموقع بعبارة شهيرة لم يغيرها وهي أن محافظ البنك المركزي لا يتكلم.. لأن كلامه محسوب عليه بخلاف أسلافه من المحافظين السابقين الذين أضاعتهم كثرة التصريحات الجوفاء في معظمها بينما العقدة يعمل ولا يتكلم وعندما يريد أن يتكلم لأمر هام يعلن عن مؤتمر صحفي شامل يتحدث فيه فقط عما تم إنجازه خلال الفترة السابقة. لهذا أقول: حاسبوه علي ما أنجز لمصر والمصريين.. والكلام عن إنجازات الرجل يحتاج إلي أوراق كثيرة ومساحات واسعة لا يمكن اختصارها في مقال ولكني سوف أحاول في الأعداد القادمة قدر المستطاع التحدث عن بعض من إنجازات الرجل في القطاع المصرفي.. وأكرر القطاع الوحيد الذي يحظي وينعم بالاستقرار.. ويبدو أن بعض الحاقدين لا يروق لهم ذلك ويريدون ضرب هذا الاستقرار لكن النتيجة وللأسف الشديد ستكون ضد الاقتصاد المصري. حمي الله مصر واقتصادها من كل سوء.. وهيأ لها كل خير علي يد المخلصين من أبنائها ممن هم في قامة وقيمة د. فاروق العقدة وضميره الحي وهم كثير كثير وتزخر بهم مصرنا العزيزة.