منذ أن بدأت الحياة النيابية في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان مجلس النواب صوتاً للشعب في مواجهة السلطة التنفيذية.. حتي ولو كان صوتاً خافتاً ضعيفاً.. لكنه كان صوتاً للشعب.. وسواء أكان اسمه مجلس شوري القوانين أو مجلس الشوري فقط أو مجلس الشيوخ أو مجلس الأمة أو مجلس الشعب أو مجلس النواب فإن شرعية البرلمان كانت دائماً تأتي من قدرته علي التعبير عن إرادة الشعب في مراقبته لأداء السلطة التنفيذية والتشريع.. وكانت الطامة الكبري تقع عندما يتحول البرلمان إلي ممالأة السلطة التنفيذية علي حساب مصلحة الشعب. وقد جاء مجلس النواب الحالي بعد عملية ولادة متعسرة.. وفي ظل ظروف صعبة جداً.. وكلنا يعرف حجم الشكوك والاتهامات التي تحيط به من كل جانب.. وهناك من يتربص به لحله عن طريق الدعاوي القضائية.. ولذلك تتركز عليه الأنظار لتري هل سيكون معبراً عن الشعب أم عن السلطة.. هل سيكون أداؤه مختلفاً عن برلمان 2010 أم سيكون أسوأ كما يتوقع كثيرون. والغريب في الأمر أن الحكومة تعرف جيداً أن الاستقرار مرتبط الآن بقيام مجلس النواب بدوره الطبيعي.. بأن يكون صوتاً للشعب.. حقيقة وليس تمثيلاً.. وأن يكون مدافعاً عن مصالح الجماهير التي جاءت به.. ومع هذا لا تنفك تحمله ما لا يحتمل.. وتطعن فيه حتي من قبل أنت يبدأ مهامه.. وذلك من خلال الأخبار التي تتحدث عن أن الحكومة ستطلب من المجلس الموافقة علي رفع أسعار الخدمات وخفض الدعم وإقرار ضرائب جديدة. في كل النظم الديمقراطية يكون دور مجلس النواب البرلمان مطالبة الحكومة بخفض الأسعار وتوفير السلع والحد من الضرائب وما إلي ذلك من البنود التقليدية الثابتة في مهام النواب تجاه الناخبين.. والوفاء بالوعود التي قطعوها علي أنفسهم أثناء الحملات الدعائية.. لكن يبدو أن الحكومة تريد أن تقدم لنا صورة معكوسة.. فبدلاً من أن يعرض النواب مطالبهم من الحكومة تسبقهم الحكومة وتعرض طلباتها من مجلسهم. تقول "المصري اليوم" في عدد أمس الأول الثلاثاء نقلاً عن مصادرها إن الحكومة تستعد للدخول في معركة انتزاع موافقة مجلس النواب علي خطة تستهدف خفض دعم الطاقة والوصول به إلي 30% من قيمته الحالية خلال 5 سنوات ورفع أسعار الخدمات التي تقدمها للمواطنين بنسبة 30% والمتمثلة في زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق والنقل العام وأسعار المياه.. والموافقة علي تطبيق ضرائب إضافية.. منها ضريبة القيمة المضافة التي وافق عليها مجلس الوزراء والتي ستتم في صورة مشروع قانون يتضمن تعديلاً علي ضريبة المبيعات. وطبقاً لما نقلته "المصري اليوم" عن مسئول بالحكومة ستصل الزيادات المقررة في أسعار الخدمات إلي 30% في المتوسط.. كما ستطلب الحكومة من مجلس النواب إقرار برنامج تخفيض دعم الطاقة الذي بدأ تطبيقه في يوليو 2014 والذي يتضمن إعادة هيكلة الدعم بتطبيق زيادات سنوية في أسعار الكهرباء وتخفيض دعم المنتجات البترولية وصولاً بالدعم إلي 30% من حجمه الحالي بعد 5 سنوات. وعلي هذا النحو فإننا مع بداية عمل المجلس سوف نري الصورة معكوسة.. فبدلاً من أن يجتهد النواب في إجبار الحكومة علي اتباع سياسات مختلفة لتخفيف الأعباء عن الناس وخفض الأسعار التي وصلت إلي حدود ما فوق طاقة الاحتمال.. وبالذات أسعار الخدمات والبنزين والكهرباء والمياه مما أشعل الأسعار في كل شيء حولنا تجتهد الحكومة في إعداد الخطط لكي تطلب من النواب الموافقة علي المزيد من زيادة الأسعار والضرائب وهذا خطر يجب أن ينتبه النواب إليه.. وينبهوا الحكومة التي تتحدث عن الاستقرار ثم تسير في طريق معاكس. حذار يا نواب الشعب من لعب دور غير دوركم.. حذار من الصورة السلبية والمشوهة التي يراد لكم أن تكونوا عليها دائماً.