* لست مع استباق الأحداث والحكم علي نوايا أعضاء مجلس النواب الجدد قبل انخراطهم في العمل البرلماني رقابة وتشريعاً.. لكن إعلان د. سمير غطاس النائب عن مدينة نصر نيته التنازل عن الحصانة البرلمانية أثار الجدل مجدداً حول حدود وضوابط تلك الحصانة. ووضع النواب أمام مسئولياتهم وضرورة البدء بأنفسهم في إعلان حسن النوايا واتخاذ خطوات فعالة لترشيد الممارسة البرلمانية وتحسين صورة سلبية كرسها نواب سابقون أساءوا استخدام الحصانة وشوهوا سمعتها بعد أن جري ضبطهم متلبسين بجرائم ساعدهم عليها التستر بحصانة البرلمان وامتيازاته. الحصانة البرلمانية حق مقرر دستورياً بنص المادة 99. ومن ثم فلا مساس بهذا الحق تقنيناً أو إلغاءً إلا بسلوك الطريق القانوني المرسوم لتعديل أي من مواد هذا الدستور. التنازل عنها أو تقنينها أمر متروك لأعضاء البرلمان.. والحصانة ليست بدعة مصرية فهي موجودة في دول أخري مثل بريطانيا التي تقصرها داخل البرلمان فقط وهناك دول أخري لا تجيزها مثل السويد.. وفي كل الأحوال لم نسمع ان أعضاء برلمانيين في أي دولة مانحة للحصانة ضبطوا متلبسين في جرائم جنائية كالتي سمعنا عنها في سنوات سابقة مثل قصية هايدلينا "أكياس الدم الملوث" أو المبيدات المسرطنة أو نواب القروض والعلاج علي نفقة الدولة وغيرها.. ناهيك عن توحش المال السياسي في شراء الأصوات بدرجة غير مسبوقة في الانتخابات الأخيرة وهو ما يثير شكوكاً ومخاوف عميقة حول أهداف مرشحين دفعوا ملايين الجنيهات في بعض الدوائر ورفعوا الصوت الانتخابي لأسعار غير مسبوقة تراوحت بين 700 و1000 جنيه في بعض الدوائر.. فماذا يتوقع المنفقون ببذخ في شراء الأصوات.. وكيف سيعوضون ما أنفقوا؟! لم يكن إعلان د. غطاس التنازل عن حصانته هو الأول في سياق المطالبة بالتجرد منها بل سبقته مطالبات أخري. منها مثلاً ما يسمي بحملة "امنع حصانة" التي قيل إنها جمعت نحو 300 ألف توقيع لنزع أي مميزات عن النائب خارج أروقة المجلس من عينة جواز السفر الدبلوماسي الذي لا يسمح بتفتيش النائب أثناء دخوله وخروجه من البلاد وكذلك المخصصات التي تحدد له مثل القروض والأراضي والشقق.. وهي المطالبة التي لقيت ترحيباً من برلمانيين سابقين وعلي رأسهم ما يسمي ب "اتحاد نواب مصر" الذي يضم نحو 170 عضو برلمان سابقاً.. اتفق جميعهم علي ضرورة قصر الحصانة داخل البرلمان فقط ولا تمتد خارجه لإغلاق الباب أمام أي استغلال محتمل لها في تحقيق مصالح شخصية أو ارتكاب مخالفات قانونية. فالحصانة خلقت ليكون العضو حراً في ابداء رأيه واستجواباته ومراقبة الحكومة وتشريع القوانين وتلك حصانة موضوعية لا غبار عليها وهي حق أصيل لا غني عنه للنائب في ممارسة مهامه التي انتخب من أجلها.. أما الحصانة الإجرائية التي تخص إجراءات الضبط والتفتيش فتحتاج إلي تقنين ومراجعة حقيقية لمنع استخدامها باباً خلفياً للفساد.. أما الزعم بأن مثل هذه الدعوات إنما تحركها أيادي تود غل يد سلطة البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية فلا محل لها من الإعراب في ظل وجود نواب أكثر أعلنوا تأييدهم لتلك السلطة. وفي المقابل فإن ثمة فقهاء دستوريين وبرلمانيين سابقين يرون ان الحصانة مقررة لأعضاء البرلمان بمقتضي الدستور لضمان استقلاليتهم وتمكينهم من أداء دورهم وتوفير الحماية القانونية لهم.