كنت مشغولا بغياب الحواة.. تربيت في حي شعبي كان مقصدهم دائما.. شاهدتهم وتفاعلت معهم وصادقت بعضهم ولفيت وراهم حارة حارة وشارع شارع. ناس بسطاء يتحايلون علي الحياة طلبا لرزق بسيط يكون طيعا أحيانا وعصيا أغلب الوقت لكنهم كانوا يمتعوننا بألعابهم وحركاتهم التي اكتشفنا مع مرور الوقت أنها "قرعة" ورغم ذلك أحببناهم وأعطيناهم مما أعطانا الله ثقة منا بأنهم يستحقون. غاب الحواة أو انقرضوا وكنت مشغولا بأمرهم وداعيا المختصين إلي تسجيل "حالتهم" باعتبارهم جزءا من تراثنا الذي يندثر بفعل العولمة وأخواتها. فاجأني الحواة وعادوا بكثافة.. شكرا للثورة التي أعادتهم.. لكنهم لم يعودوا علي صورتهم القديمة ولا علي طموحاتهم البسيطة ولا علي طيبتهم التي عهدناهم عليها. الحواة الجدد عادوا بألعاب جديدة لكنها غير ممتعة.. عادوا ليس طلبا لرزق بسيط ولكن طلبا للإمارة وهذا هو التطور الطبيعي للحاجة الساقعة!! الحواة الجدد قفزوا علي الثورة.. راوغوا وتآمروا وعقدوا صفقاتهم.. ونشروا أكاذيبهم.. وحسنا ما فعلوا.. شكرا للثورة وشكرا حتي لارتباكاتها التي أظهرت من يحب هذا البلد ومن لا ينظر سوي تحت قدميه ويسعي فقط إلي الحصول علي "الغنيمة" حتي لو كذب ونافق وتآمر وارتمي تحت أقدام "أولي الأمر" وطالب بطاعتهم وربما طالبنا -إذا لزم الأمر- بتقديسهم وتنزيههم عن أي خطأ.. وكله حسب الشرع!! الحواة الجدد الذين خرجوا من "القمقم" لا يريدون سوي "الإمارة" ولا يمشون إلا وراء "الرايجة" أو ما يعتقدونها كذلك.. لكنهم لا يدرون أنهم مكشوفون وأن رصيدهم قارب علي النفاد وأن من يدعون إلي طاعتهم لن يلبثوا إذا استقرت لهم الأمور أن يلقوا بهم إلي أقرب سلة مهملات. وعندما يغيب هؤلاء الحواة الذين هم أكثر غلظة وقسوة وفجاجة من مجرمي الثلاثين عاما الماضية لن انشغل بغيابهم وإن كنت سأطالب المختصين بتوثيق حالتهم كجزء من تراث التردي والانتهازية والتطور الطبيعي للحاجة الساقعة!!