الجاسوس البريطاني الأشهر "بوند" بطل لا غالب له. فلم يكلف بمهمة استخباراتية ضليعة علي كوكب الأرض إلا وأتمها علي أحسن وجه وبنجاح ساحق سواء في الجو أو البحر أو في الصحراء أو فوق أعالي الجبال.. إنه شخصية استثنائية في جهاز ال"F16" أو ال"F15". "بوند" أو العميل 007 بريطاني فذ يليق بامبراطورية استعمارية كانت لا تغرب عنها الشمس. ثم غربت فخرج "الجاسوس" من ملفات أجهزتها النشطة ينير شاشات العرض بمغامراته وانتصاراته و "مركباته" المبتكرة وأدواته الفريدة. وخيل إليّ أن جيمس بوند تلقي تكليفاً مؤخراً بالبحث عن أسباب سقوط الطائرة الروسية فقد عرف بكراهيته للشيوعية الروسية والصينية مثلما عرف بسرعة بديهته وحاسته الاستخباراتية التي لا تباري وبالفعل اتم المهمة قبل أن تنتهي التحقيقات التي اشتركت فيها مصر وروسيا وبالتزامن مع وصول طائرة الرئيس المصري إلي العاصمة البريطانية بدعوة من المسئولين وبقدر معدوم من اللياقة والكياسة الدبلوماسية سارعت بريطانيا بالإعلان عن أسباب تحطم الطائرة مؤكدة أنها سقطت بفعل عمل إرهابي تسبب في مصرع كل من عليها والأكثر إثارة للدهشة كان استدعاء الرعايا البريطانيين من شرم الشيخ. إلي آخر الفيلم الرديء جداً الذي عجزت "السلطات" عن تصميم حبكة تليق بالدولة العظمي وبالمقام الرفيع للامبراطورية وجهاز مخابراتها الأشهر وذلك علي عكس أفلام الجاسوس الظاهرة جيمس بوند الذي أصبحت سلسلة مسجلة وصل عددها إلي 24 فيلماً آخرها "الشبح" الذي تزامن عرضه الأول في العاصمة لندن مع زيارة الرئيس الأمر الذي جعلني أسرح بخيالي وأتصور ضلوع "بوند" في التقرير المخابراتي الذي كشف أسباب حادث تحطم الطائرة. و"بوند" شخصية خيالية أبدعها المؤلف البريطاني إيان فلمنج عام 1953 من خلال روايته الأولي "كازينو رويال" الذي استلهم أحداثها من فترة اشتغاله في جهاز المخابرات البريطانية وقدم رواية مشحونة بالحركة والإثارة والمغامرة والمهارات الفذة للعميل "007" المشهور ب "جيمس بوند". وتعاقب علي أداء "بوند" ممثلون علي درجة كبيرة جداً من الوسامة والخشونة والجاذبية.. مثل شون كونري وروجرمور. وبيرس بروسنان. ودانيل كريج بطل آخر طبعة في هذه السلسلة التي تم توظيفها لاغراض سياسية في الحرب الباردة التي بدأت بعد انتهاء معارك الحرب العالمية الثانية بين أمريكاوروسيا ودخل "الفيلم" سلاحاً في المعركة وأسهم "جيمس بوند" في إشعال لهيبها وجعل حلبة الصراع ممتدة وبشكل خاص في حقل الجاسوسية. من أشهر الأعمال "من روسيا مع حبي" و"دكتور نو" و"جولد فنجر" و"ثندربول" و"أنت تعيش مرتين فقط" و"المخابرات الخاصة بجلالة الملكة" و"ماس إلي الأبد" وحتي آخر فيلم "الشبح" "2015". ولم تقتصر بطولات "جيمس بوند" علي الشاشة الفضية وإنما انتقلت إلي ألعاب الفيديو التي انتجت بالعشرات وتنتشر بين الملايين من الشباب وصغار السن وتحدث تأثيرها في خيالهم بالإضافة إلي التأثير الثقافي. نصف قرن من الترفيه الموظف والموجه والخداع جماهيرياً في نفس الوقت. فقد طاف "بوند" بلاد الدنيا وابهر عشاق السينما بطبعات غير مسبوقة من موديلات "المركبات" التي صمتت خصيصاً لمغامراته. وابتكرت الصناعة العديد من البدع المرتبطة أساساً بعالم شخصية تدير عقول عشاقها وبالجرأة والاقتحام والتدبير والقوة الذهنية وأداء الأعمال الخطرة التي يؤديها بدلاً عنه متخصصون في هذا المجال. ومع ذلك لا يموت "بوند" ولا يصاب لأنه خالد إلي الأبد. الممثلون الذين لعبوا الشخصية من أمثال "كونري" و"كريج" و"بروسنان" و"مور" أصبحوا "أيقونات" ورموز للوسامة والقوة. مدهشون يسحرون النساء ونسائهم من نفس النوع علي درجة من الأنوثة والجادبية لا يباري. قويات ومفتونات بالبطل الذي أصبح موديلاً "للرجولة" ورمزاً من رموز القوة في عالم الجاسوسية. واحتلت الأفلام نفسها المرتبة الثانية في قائمة "الماركة" الأكثر جماهيرية ونجاحاً في السينما العالمية. تأتي بعد سلسلة أفلام "هاري بوتر" التي احتلت المرتبة الأولي. متفوقة علي سلسلة "حرب الكواكب". وتبعاً لبعض الاحصائيات المنشورة فإن 20 في المائة من جمهور العالم شاهد علي الأقل فيلماً واحداً من أفلام "جيمس بوند". "جيمس بوند" كان موضوعاً للعديد من الدراسات الاكاديمية كظاهرة جديرة بالتحليل والنقد وكشخصية أثرت ثقافياً علي جماهير السينما طوال خمسين عاماً وكذلك العالم الخاص الذي تشيعه أفلامه والموضوعات والأفكار التي تنقلها. ناهيك عن الجماليات الخاصة بالصورة المرئية والعناصر المكونة لأفلامه وكذلك مستوي الممثلين الذين جسدوا الشخصية في ال24 فيلماً التي انتجتها شركة انتاج "إي. أو. إن" Eon بالإضافة إلي الأفلام التليفزيونية التي تناولت نفس الشخصية ومنها فيلم "كازينو رويال" الذي عرض عام 1954 ثم أعيد انتاجه عام 1967 ولعب البطولة فيه الممثل دافيد نيفن. عموماً ملامح الشخصية وتركيبتها الموضوعية لم تتغير وظلت واحدة لكن "بوند" نفسه طوال أفلامه ألقي أضواء كاشفة علي العلاقات بين الغرب والشرق والعلاقات بين الجنسين إذ جسد بشخصيته ومن خلال بناء أيديولوجي علاقات الرجال والنساء وطبيعة هذه العلاقة بين النوعين "الجندر". وجسد "بوند" عداءه للشيوعية وقاتل ضد الجنرالات "الحمر" وتلعب النساء دوراً أساسياً في تطور أفلام "جيمس بوند" ومن ثم استمرت هذه النوعية في ابتكار خيوط روائية جديدة وجذابة تبقي علي جماهيرية هذا "الصنف" المسمي "جيمس بوند فيلمز" حتي وأن تعرضت بعض الأعمال إلي الاخفاق نسبياً في مراحل المد والجزر السياسي والاجتماعي. آخر أفلام هذه السلسلة فيلم "الشبح" الذي يعتبر الفيلم الرابع والعشرين الذي تنتجه نفس الشركة "Eon" والفيلم الرابع الذي يلعب فيه الممثل دانييل كريج دور "جيمس بوند" ويحصل علي 25 مليون استرليني أعلي سعر يحصل عليه "بوند" وعلي غرار جميع أفلام "بوند" تقدم الشركة "سيارة" صنعتها خصيصاً للفيلم والفيلم يعتبر الأكثر تكلفة في تاريخ أفلام "جيمس بوند" إذ تكلف ميزانية تتراوح ما بين 245 و300 مليون دولار ومن ثم يعتبر واحداً من أكثر الأفلام تكلفة في تاريخ السينما. "جيمس بوند" "الشبح" بدأ عرضه في لندن يوم 25 أكتوبر في صالة "رويال البرت هول" وبعدها سيبدأ عرضه عالمياً وقد حقق حسب المنشور حتي الآن 80 مليون دولار. "بوند" في آخر أعماله سيواجه عصابة إجرامية عالمية تحمل اسم "الشبح" في المكسيك وبطبيعة الحال سيحقق نجاحاً مذهلاً وسوف يستخدم كالعادة مهاراته الفائقة التي تفوق الخيال ويبدأ فتحاً غير مسبوق للمخابرات البريطانية ولعله بدأ هذا "الفتح" باكتشاف السبب الحقيقي وراء كارثة الطيارة الروسية التي أعلنت بريطانيا أنها اسقطت بعبوة ناسفة كشفت عنها الاستخبارات البريطانية. الخيال الذي جعل من "بوند" حقيقة في أذهان أجيال البريطانيين طوال خمسين سنة أو جعله خيالاً قابلاً للتصديق. جعلنا أمام هذا الكشف السريع والمتعجل نقول إن "بوند" وحده يستطيع الوصول إلي هذه النتيجة حول تحطم الطائرة وأن "داعش" قد تكون وراء هذه المأساة وكأن ما نتابعه "فيلم" يمزج الواقع بالخيال ومن خلال "سيناريو" لا يخلو من سياسة تليق بتاريخ بريطانيا العظمي!!