8 شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلا بحي الزيتون جنوب مدينة غزة    مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية يثمن دور مصر المحوري في إدخال المساعدات    هيئة دولية رائدة في مجال أزمات الغذاء: أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليا بغزة    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم على طريق الإسكندرية الزراعي بالقليوبية    انتشال جثة مسنة وإنقاذ نجلها في انهيار عقار سكني بطنطا    مذكرة تفاهم بين الصحة وشركة بورينجر إنجلهايم لتطوير التعامل مع السكتات الدماغية    أفضل وأسوأ المشروبات خلال موجات الحر الشديدة    «التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    "الفجر" ترصد لحظة وصول محافظ الدقهلية لموقع كسر خط المياه لمتابعة تنفيذ أعمال الصيانه    صادرات مصر الزراعية تسجل 6.2 مليون طن خلال 7 أشهر    هيئة الإسعاف: نجحنا في نقل 30 ألف طفل مبتسر بشكل آمن خلال 2025    رئيس «جهار» يستقبل وفدا من منظمة دعم أداء النظم الصحية والابتكار العالمية    التعليم العالي: تجديد الشراكة العلمية بين مصر والصين في مكافحة الأمراض المتوطنة    انتظار صدور حكم في قضية سرقة عملات ذهبية أثرية من متحف ألماني    منتخب مصر يحدد موعد معسكر سبتمبر استعدادا لمواجهتي إثيوبيا وبوركينا    رصيف محطة هاتشيسون رقم 1 بميناء السخنة يستقبل السفينة ZHEN HUA 36 المخصصة لنقل الأوناش الثقيلة    للطلاب المتقدمين لمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. طريقة دفع رسوم الاختبار    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    بعد القبض على رمضان صبحي.. تعرف على موقفة القانوني ومدة الحبس وموعد الأفراج عن اللاعب    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    وزير التنمية المحلية: شركاء التنمية حليف قوي في دفع العمل البيئي والمناخي في مصر    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    بيان جديد من الكهرباء بشأن «أعطال الجيزة»    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 29-7-2025 في البنوك    "حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة".. الأرصاد تكشف عن تفاصيل طقس الثلاثاء    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    سميرة صدقي: محمد رمضان وأحمد العوضي مش هيعرفوا يبقوا زي فريد شوقي (فيديو)    دخول 9 شاحنات مساعدات إنسانية إلى معبر كرم أبو سالم تمهيدًا لدخولها لقطاع غزة    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك وقف إطلاق النار    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء في شمال سيناء    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    رابط التقديم الإلكتروني ل تنسيق الصف الأول الثانوي 2025.. مرحلة ثانية (الحد الأدني ب 6 محافظات)    "بقميص الزمالك".. 15 صورة لرقص شيكابالا في حفل زفاف شقيقته    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    يوسف معاطي: سعاد حسني لم تمت موتة عادية.. وهنيدي أخف دم كوميديان    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    اليونسكو: الإسكندرية مدينة الانفتاح والإبداع وعاصمة فكرية عالمية    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    النجاح له ألف أب!    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    اليوم.. «الأعلى للثقافة» يعقد اجتماعه ال 72 للتصويت على جوائز الدولة لعام 2025 (قوائم المرشحين)    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقصدي البوح لا الشكوي

هذه الرواية أحدث إبداعات الروائي الكبير محمد جبريل. وهي عن تجربة حياتية قاسية عاشها المبدع في العامين الأخيرين بعد أن أجري عملية جراحية في عموده الفقري.
الرواية أقرب إلي السيرة الذاتية فضلا عن الجانب التسجيلي.
وهي في مجموعها تعكس ما عاناه المبدع الكبير من أحوال واوجاع العلاج الطبي في بلادنا وذلك بعد أن أقعد المرض الكاتب الكبير وأفقده القدره علي الحركة إلي حد كبير ووسط الآلام المبرحة أبدع هذه الرواية.
الحلقة التاسعة
النصيحة التي اعتدت سماعها. أن أتمدد علي ظهري لعلاج آلام الفقرات. عدلت عن ¢الفعل¢ - في كل مرة - بعد دقائق قليلة. يريحني النوم علي الجنب الأيمن. أذكر تلبيتي أمر الطبيب بدقة. عقب إجراء عملية قرحة الإثني عشر. لم أحاول المغايرة. ربما لأني كنت أدرك خطورة العملية. وأن التمدد علي الظهر هو التصرف الذي يجب أن أفعله.
أطلقت زينب ما يشبه صيحة الدهشة. وهي تساعدني في ارتداء ثيابي الداخلية:
* بروز جلدي في موضع العملية.
* كيف؟
* هذا ما أراه.
تكرر إحساسي بالغثيان. يعاودني في لحظات متقاربة. وربما امتد لساعات. تقيأت - بالفعل - مرات كثيرة. تصورت القيء بداية أعراض خطيرة. تالية.
رجح حاتم رضوان أن يكون الإسراف في تعاطي الأدوية قد أحدث تأثيرات سلبية. داخل المعدة التي تمردت - من قبل - بالإعلان عن قرحة الاثني عشر. طلب - بنبرة حاسمة - إيقاف الأدوية. عدا أقراص الضغط والسكر. من الأصوب أن أرجئ تعاطي الأدوية - حتي الفيتامينات - قبل أن يقرر الدكتور علاء عبدالحي ما يجب عمله!
كان رفع الأذان يتناهي من جامع السيدة عائشة القريب. لما أتاني صوت الدكتور علاء في التليفون المحمول:
* أنتظرك في الخامسة مساء اليوم.
لم أكن أعددت نفسي لهذه الاستجابة السريعة. أمضيت نهار الأمس في الجريدة. واتصل اليوم بمحاولة العودة إلي البيت في مصر الجديدة. احتفالات الأقباط الأرثوذكس في الكاتدرائية بشارع رمسيس. جعلت حركة السير متعذرة. تحول الشارع. والكوبري في منتصفه. إلي موقف للسيارات.
اقترحت علي سائق التاكسي أن يميل إلي شارع جانبي. ومنه إلي شارع أحمد سعيد. حتي طريق صلاح سالم.
لم يكن الأمر بالصورة التي توقعتها. كان الزحام قد أحكم قبضته علي كل شوارع القاهرة. دخلنا البيت بإحساس العائد من رحلة شاقة. تأخر موعد النوم إلي حوالي الثالثة صباحاً. استيقظنا في العاشرة. حاولت الانشغال بكتابات للجريدة. لكن الطارئ الجديد فرض نفسه علي ذهني ومشاعري. همسة زينب المحملة بالقلق:
* ما هذا؟
أدرت رأسي إلي حيث أشارت بيدها.
لم أر موضع الإشارة جيداً. وإن فطنت إلي أنها تقصد موضع العملية. حدثتني عن البروز المفاجئ في موضع العملية. وسألت:
* ألا تشعر بالألم؟
حاولت أن أشعر بالألم. ولعلي استدعيته فعلاً. كنت أحرص علي عدم التأوه. أخشي - لتواصل الألم - أن يصبح التأوه سخفاً.
اتصلت بالدكتور علاء عبدالحي لتحديد موعد.
فاجأني موعد الخامسة. أي بعد ساعات قليلة. وكان الطقس قد أظهر - منذ الأمس - ملامح قاسية.
أدركت خطأ التصور أن برد الشتاء يسهل اتقاؤه بالثياب المناسبة. أما حر الصيف فمن الصعب أن تتغلب عليه. قذفت الشوارع الخلفية للشتاء بما كانت تحتجزه من برودة ورياح وأتربة. ذروة حقيقية للشتاء في أقسي أوقاته.
تأكد سائق التاكسي من إغلاق زيق النافذة. ليحول دون تسرب الهواء البارد. نطق الإشفاق في ملامحه وتصرفاته وأنا أسلمه العصا الحديدية ذات المخالب. تقي ساقي - وجسدي - خطر السقوط.
بلغنا العيادة حوالي الرابعة والنصف. فتشت عن مصدر الدفء في الصالة والحجرات المفتوحة. ثم اطمأننا إلي التصور بأن موقع العيادة أقرب إلي الدفء.
ظل اختلاف المشاعر في العينين. في توالي لحظات اليوم. منذ دعاني الدكتور علاء للقدوم إلي عيادته. وحتي عودتنا إلي البيت في نهاية أربع وعشرين ساعة قاسية.
هل أخطأت لأني صارحت الطبيب بتكرار وقوعي؟..
ربما كان ذلك هو السبب في البروز الذي تحسسه بأصابعه. ثم طلب إجراء أشعة.
* الآن؟
في نبرة حاسمة:
* أنا في العيادة حتي تعودان بالأشعة.
لذنا من برودة الطريق بأول تاكسي.
دخلنا مستشفي كليوباترة من باب الطوارئ.
داخلني إحساس بالألفة لما حولي. حفظت المكان في الفترة التي سبقت العملية وبعدها. حتي الأطباء والعاملون في المستشفي. تعرفت إليهم أثناء تلك الفترة. أعرف مكان ¢ كاونتر¢ الاستقبال. والمصعد. والسلالم الصاعدة إلي الأقسام المختلفة.
أنهت زينب أوراق الأشعة. وصحبتني إلي الحجرة في البدروم.
البرودة تحتويك تماماً. فأنت تحاول إنجاز ما تطلب في أسرع وقت. خلعت معظم ثيابي - تصور! - وصعدت إلي الطاولة المواجهة لجهاز التصوير. تمددت علي الظهر. وعلي الجنب الأيسر. وقد أحاطت اليدان بالرأس.
إذا أردنا صورة الأشعة. فمن السهل تسلمها حالاً. أما التقرير فلابد من الانتظار حتي مساء الغد. وعدنا بصورة الأشعة إلي الطبيب.
أعاد الدكتور علاء صورة الأشعة إلي المظروف:
* لا خطر!.. لعل ¢الوقعات¢ التي تكلمت عنها دفعت قطعة من عظام العمود الفقري إلي البروز.
أمن علي ما استعدته من نصائح الدكتور حاتم رضوان وتحذيراته. امتنع حتي عن الفيتامينات.
استطردت متسائلاً:
* حتي دواء الضغط أو السكر؟
قال الدكتور علاء بنبرة مؤكدة:
* حتي دواء الضغط أو السكر.
القاتل الصامت هي التسمية التي يطلقها الأطباء علي مرض ضغط الدم. ربما لأن الإحساس بتأثيرته قد يغيب عن المريض. لا يدرك - إلا متأخراً - تسلل المرض إلي أوردته وشرايينه.
كما تقول الأرقام. فإن حوالي 16 مليوناً من المواطنين المصريين يعانون ارتفاعاً في ضغط الدم. لكن نسبة الحريصين علي العلاج لا تجاوز 8% من مجموع هؤلاء المرضي.
أذكر أن بداية صداقتي للمرض - هو صديق بالضرورة! - بدأت منذ أثبتت فحوصات ما قبل عملية قرحة الإثني عشر وجوده. عرفت أن ضغط الدم ليس مجرد نوبة صداع. تزيل حبة دواء تأثيراتها. لكنه عنوان مجموعة أعراض. إن لم يحسن المرء العلاج فإنها ستصبح جزءاً من تاريخه المرضي. منها تضخم عضلة القلب. وهبوطها. قصور الشرايين التاجية. الجلطة القلبية. الجلطة المخية. نزيف المخ. تمدد الأورطي. شرخ بطانة الأورطي. الفشل الكلوي.
تعاطيت - لسنوات - دواء. نسيته بعد أن شكوت لطبيب أمراض القلب الشهير الدكتور محمد مندور ارتفاع نبضات القلب. فنصح بدواء يعالج حالات ارتفاع الضغط. وارتفاع نبضات القلب.
أراجع - في ترددي علي الأطباء - ما يتصل بالقلب: النبض. الضغط. عدد الدقات. الشرايين والأوردة. أطمئن إلي جدوي العلاج. ثم جعل طبيب الجريدة من الدواء علاجاً شهرياً ثابتاً. لا أفكر في إيقافه أو تبديله. أعرف أن الضغط قد يرتفع إذا توقف المريض عن تعاطي الدواء.
ولأن ثبات الحال من المحال. فإن الاطمئنان يشحب في الصداع الذي يفاجئني. أتصور الضغط. فأسرع إلي أقرب صيدلية. أستعيد الاطمئنان. أو أتصل بالطبيب لأخذ النصيحة.
***
عدنا إلي البيت قبل أن ينتصف الليل
لا تزال البرودة تلف كل شيء. تذكرت تغريدة لمن نسيت اسمه: نحن لم ندخل سنة 2015. لكننا دخلنا ثلاجة بحجم مصر!
استعدت الأمر من بداياته. هو ليس وليد الساعات الأخيرة. التحرك بين البيت والعيادة والمستشفي. الاحتفال بليلة عيد الميلاد. ما شعرت به. وشاهدته. واستمعت إليه. يعود إلي نقطة البداية. إلي الآلام التي كانت تحدثها إحاطة الغضروف بالنخاع الشوكي.
هل تلك هي البداية؟
وهل يظل هذا هو الحال لأن الطبيب لم يجر - كما صارحني حاتم رضوان - عملية التثبيت؟
وهل كانت الأشهر السبعة. منذ إبريل الماضي مجرد تسكين للآلام؟
وهل ينبغي أن أبدأ من جديد؟
استبدلت النغزات و¢النقح¢ - هذا هو التعبير الذي يحضرني - بالصراخ الذي كان ينطلق من بؤرة. أتصورها. ولا أعرفها.
طرحت زينب - نقلاً عن أصدقاء أطباء. ومرضي. أو كانوا كذلك - أسماء أطباء يختلفون في التخصص عن الدكتور علاء عبدالحي. هو جراح مخ وأعصاب. أدي العملية باقتدار. لكن اكتمال الأمر يحتاج إلي التثبيت. وإلي خطوات أخري. تالية.
نظرت إلي النافذة المغلقة. وإلي الغطاء الذي أحكمت به جسدي. وإلي زينب التي تحاول - من خلال طرح أسماء أطباء - وصل ما انقطع.
اطمأننت إلي نصيحة الدكتور حاتم رضوان . والتي أمن عليها الدكتور علاء. بأن أمتنع عن تناول الأدوية. وعن العلاج الطبيعي. ثم أعد نفسي لما ينبغي فعله. ذات صباح قريب. أرفع الغطاء. أفتح النافذة. أستند إلي ساعد زينب. في طريقنا لمشوار علاج جديد. أسعي - من خلاله - إلي السير علي قدمي. دون أن أرهقها بالاتكاء علي ساعدها. وبلا عصا تمنعني من العيش بصورة حقيقية.
ماذا لو أن زينب العسال لم تظهر في حياتي؟
ماذا لو أني واجهت المرض بلا رفيقة تحتضنني برعايتها؟
أمل في بيتها وعملها. وليد في بيته وعمله.
يشرد بي تصور حالي بلا التقاء أفكار ومشاعر. وتعاطف حقيقي. ومؤانسة؟
***
تكررت كلمة ¢التثبيت¢ بمعني منع قلقلة عظام الظهر.
لم أكن استمعت إلي الكلمة من قبل.
تناوشتني الأسئلة: كيف يحدث التثبيت؟ هل أخضع لعملية جديدة؟ إذا كان التثبيت ضرورة. فلماذا أغفله الدكتور علاء عبدالحي؟ ألم يكن من الأجدي أن يستكمل طبيب عظام - وقت إجراء العملية - ما بدأه الدكتور عبدالحي؟
فاجأني الإنترنت - موسوعة زماننا - بوسائل مستحدثة لتثبيت عظام العمود الفقري. هي الحقن بالأسمنت.
الأسمنت؟!
قالت زينب - مداعبة - لدهشتي المتسائلة:
* المهم أن يكون الأسمنت غير مغشوش.
أدركت أنها تقصد الأسمنت الذي شيد به الكثير من بنايات القاهرة في أواخر السبعينيات من القرن الفائت. لم يكن سوي رماد بركاني صدرته إلينا رومانيا تشاوسيسكو. وتسبب في انهيار بنايات كثيرة. أغلبها في مصر الجديدة. ولولا رحمة الله. والآلاف الستة من الجنيهات التي دفعها كل مالك في البناية ذات الطوابق الستة. التي نقيم فيها. رقم 18 شارع سليمان عزمي بالنزهة. لكان مصير البناية إلي زوال.
أحيطت الأعمدة أسفل البناية بأحزمة من الخرسانة المسلحة. ألغت ما كان بدروماً. واستردت البناية عافيتها. أو ما أعانها علي مواصلة الحياة.
صارحتك بأني أخشي الألم. ولا أخاف الموت. نحن نموت لأننا يجب أن نموت. هذا ما تعلمته من القراءات والخبرات.
إذا كانت آلام العملية ما تزال تسكن عظامي وأعصابي. فما تصنع بي عملية جديدة؟
***
يسري الهواري..
سبقني إليه صيته. لخص حاتم رضوان قيمته بأنه أهم طبيب عظام في مصر. قيلت آراء كثيرة حول مكانة الرجل بين الأطباء. تعددت الروايات عن الحالات المستعصية التي وجدت الشفاء في تشخيص يسري الهواري وعلاجه.
عادة الأطباء - كما هو الحال في بقية المهن - أنهم يؤطرون المكانة لأنفسهم. قد يوافقون علي ترشيحات. أو تزكيات مرضي أو أطباء آخرين. لكنهم يدسون الشك في ثنايا آرائهم: أعرف أنه طبيب ممتاز. لكنه أخطأ في تشخيص حالات كثيرة.. حدثني مريض عن ضرر العلاج الذي أشار به ذلك الطبيب.. يقال إنه ينتمي إلي فئة الأطباء ذائعي الصيت. محدودي المعرفة.. عيبه أنه اكتفي بما حصل عليه. فلا يحضر المؤتمرات العلمية. ولا يتابع الأبحاث الجديدة.
لم يصادفني رأي مشابه لتلك الآراء التي التقيتها في عيادات أطباء آخرين. كل الدروب أفضت إلي تأكيد القيمة العلمية. أضاف حاتم رضوان نصيحة أن أقبل كل ما ينصح به الهواري. هو يفحص جيداً. ويطمئن إلي العلاج قبل أن يحدده.
الآراء التي زكت الدكتور يسري الهواري. جعلته - في ذهني - في موضع المتفرد لتشخيص ما أعانيه. هو الوحيد الذي يقرّب الشفاء. تنتظم وقفتي وخطواتي. أتحرك. أسير. أعود كما كنت.
أعاني - بلا توقع - من الانكفاء والوقوع علي الأرض. أفلحت - أحياناً كثيرة - في استعادة توازني. واجتذبني التخاذل في أحيان قليلة. ربما كان البروز المفاجئ نتيجة لها.
التعب الذي حل بجسدي. جعلني غير قادر علي ترك السرير. أو مجرد الحركة.
أعرف أن العضلة التي لا تستخدم تذوي. تضمر. حتي تتلاشي. لا تعود إلي ما كانت عليه. لم أقرأ في هذا الأمر. لكنني خمنت المعني من الحال التي انتهت إليها الزائدة الدودية. لطول استغناء عملية الهضم عنها.
يعاودني الإحساس بالغثيان. يقلب معدتي. كأن القيء يملأ الحلق.
تنقلت في عيادة الهواري بين ثلاث حجرات للكشف. في كل حجرة أثاث يتضمن الخصائص نفسها التي تسم عيادات الأطباء. الاختلاف في نوعية الأثاث. وطاولة الكشف. وموضع لوحة الأشعة. ودرجات اللون والظل.
لفت انتباهي ماكينة خياطة ¢سنجر¢ نزعت من قاعدتها الحديدية. تحولت القاعدة - بثبات الحركة. والرخامة المضلعة التي استوت علي السطح. إلي مكتب صغير. أنيق. وضع عليه الطبيب أدواته ودفتر الروشتات. الستائر تحجب رؤية الخارج. فلا تستطيع تبين إن كان الوقت ليلاً أم نهاراً. ثمة - علي الجدران - لوحات من الفن التشكيلي. حدّست أن اختيارها كيفما اتفق. الجدران الخالية تحتاج إلي لمسات جمالية تضيف إليها. يري معظم الأطباء في لوحات الفن التشكيلي ما يضفي علي عياداتهم قيمة تحتاج إليها. لكن اختياراتهم تخضع للمصادفة. أو أنهم يعهدون بها إلي العاملين في العيادة. هي لوحات تطفح بالسذاجة. وربما نسخت ¢كروت بوستال¢ لمناظر طبيعية. وإن لا أنسي الحس المتفوق الذي أملي علي حازم ياسين اختياره للوحات الرائعة علي جدران عيادته. في شارع شهاب بالمهندسين.
له إطلالة مهيبة. يعطي من يلتقيه - للمرة الأولي - شعوراً بالصداقة. حدست من ابتسامته الصافية. الدائمة. إنه ذو نفس طيبة.
قلت للدكتور يسري الهواري:
* هذه الزيارة تأخرت كثيراً. أخفقت - لما اشتد المرض - في تحديد موعد. لكنك كنت في مؤتمر خارج مصر.
طلب الهواري ما بدا عودة إلي نقطة البداية. إلي ما قبل إجراء عملية إزالة الغضروف المحيط بالنخاع الشوكي.
تأمل نتائج أشعة الرنين: "هما أشعتان. واحدة بالرنين. والثانية رنين بالصبغة. فضلاً عن تحليل للدم"
* العملية ناجحة تماماً.
قلت: لكن الآلام لا تبرح جسدي.
وضغطت علي الكلمات: قيل لي إن العملية تحتاج إلي براعة جراح المخ والأعصاب وخبرة طبيب العظام.
اتجه ناحيتي بنظرة مشفقة: لن نحتاج إلي عملية جديدة.
وداخل نظرته تساؤل: الالتهاب في موضع العملية هو الذي أخر الشفاء.
ودفع لي بورقة في حجم الكراسة: أنصح بمركز جديد للعلاج الطبيعي.
استعدت نصيحة الدكتور شمس عبدالغفار طبيب العلاج الطبيعي. أن أعود إلي طبيبي المعالج. اكتفيت باللجوء إلي مركز آخر للعلاج الطبيعي. لكن الوضع ظل علي ما هو عليه: سقوط القدم. وفقدان الاتزان. والآلام الدائمة. أقف. أتهيأ للحركة. أسير - ولو خطوات قصيرة - لكن ساقيّ لا تقويان علي الوقوف. أهم بالجلوس حيث أقف.
عرفت - متأخراً - أن نصيحة الدكتور شمس لها أسبابها. وأن تعاطي الأدوية أشبه بالحرث في الماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.