الاستقامة والإخلاص طوق النجاة سلوك الأنبياء والصالحين نموذج وقدوة في أحد الأيام تقدم رجل إلي مجلس رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وبكل أدب قال يا رسول الله: "قل لي في الإسلام قولا لاأسأل عنه أحدا غيرك" فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" "قل آمنت بالله ثم استقم". وهذه الإجابة قليلة الكلمات لكنها كثيرة المعاني فهي تجمل خلاصة الإيمان وتترجمه إلي عمل وسلوك. لأن معني الإيمان هو تصديق بالجنان وعمل بالجوارح واللسان. وهذا اليقين الذي ما إن استقر في قلب المؤمن إلا دفعه إلي العمل باتقان وتجويده باخلاص وتفان ساعيا إلي التعمير والبناء بحيث تنعكس آثار العبادة والتي يؤديها من صلاة وصوم وصدقات علي أدائه ويصبح سلوكه متطابقا مع ما يؤديه من مختلف الطاعات. وقد حرص القرآن الكريم علي توضيح هذه الاستقامة وبيان مدي فضلها علي رسله وعباده يقول سبحانه في سورة هود "فاستقم كما أمرت" وكذلك فضل هذه الاستقامة علي المؤمنين الذين يطبقونها في شئون حياتهم فقال سبحانه في سورة فصلت "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم ما تدعون نزلا من غفور رحيم". فها هو رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أوضح هذه المعاني ببليغ كلماته لذلك الرجل الذي جاء يسأل عن الإسلام وأقصر طريق لمعرفة هذه الحقائق بحيث لايضطر إلي اللجوء إلي أي إنسان آخر إلا أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" كانت إجابته ترجمة بليغة لكل ذي عقل. انطلاقا من هذه المسئولية التي حددها الله في كتابه وأوجز معانيها رسول الله كانت هي النبراس التي اهتدي بضوئه سائر الصالحين والمخلصين من عباد الله فانطلقوا يطبقونها بكل أمانة ومسئولية وإخلاص واعتبروها طوق النجاة في الحياة الدنيا وفي الآخرة فنهضوا بمسئوليتهم علي أكمل وجه ولذلك كان النجاح حليفهم وها هو عمر بن الخطاب يمر يوما بالليل في أحد المدائن فوجد امرأة لديها أطفال صغار صراخهم يخترق الآذان وعندما تقدم نحو هذه السيدة سألها وكان هذا الحوار بينها وبينه ما الذي يبكي هؤلاء الصغار؟ يبكون من شدة الجوع. ولاأجد ما أطعمهم به وأين عائلهم؟ غير موجود. ومن المسئول عنهم؟ عمر ضيعه الله كما ضيعنا انتظري أيتها السيدة وعقب هذا الحوار السريع في جوف الليل انطلق عمر ومرافقه وتوجه إلي مخزن الدقيق وحمل جوالا علي كتفه وعندما قال له مرافقه: هذا لا يليق بأمير المؤمنين دعني أحمل الجوال عنك فأنت رمز الأمة وولي أمرها. لكن عمر رفض رفضا قاطعا وقال قولا جعل مرافقه لايتكلم بأي كلمة أخري إذ قال له وهل تحمل عني وزري يوم القيامة وظل حاملا للجوال حتي وصل إلي السيدة وظل بجوارها وهي تصنع طعاما لأبنائها وينفخ النيران فيتصاعد الدخان من بين لحيته والمرأة تقول له: جزاك الله خيرا أيها الشيخ الكبير وتكرر أيضا ضيعك الله يا عمر كما ضيعتنا فيقول لها مرافقه: أتعرفين هذا الرجل قالت: لا قال إنه عمر بن الخطاب فأخذت المرأة تعتذر وتبدي أسفها لكن عمر قال لها لاتعتذري أيتها السيدة فتلك هي مسئوليتي أؤديها بكل إخلاص ولم يترك المرأة حتي شبع الأطفال وناموا. تلك هي درجات الاخلاص والاستقامة التي تغلغلت في قلب أمير المؤمنين أبي حفص عمر. كما أن الاخلاص الذي اقتدي به الصالحون جعلهم يحتلون أعلي المراتب وتذف إليهم البشري بنعيم الآخرة. فها هو رجل يدخل إلي مجلس رسول الله "صلي الله عليه وسلم" فيقول الرسول من سرّه أن ينظر إلي رجل من أهل الجنة فلينظر إلي هذا الرجل. وبعد أن سمع عبدالله بن عمرو بن العاص هذه الكلمات من رسول الله "صلي الله عليه وسلم" انطلق إلي بيت الرجل بصحبته. وقد استضافه الرجل بكل رحابة الصدر وذهاب عبدالله إلي بيت الرجل سببه أنه يريد أن يعرف نوع العبادة التي يؤديها هذا الرجل حتي بلغ هذه المكانة التي بشره بها رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وظل معه أكثر من يوم فرآه لا يؤدي سوي الفرائض التي فرضها الله عليه من صلاة وعبادات أخري فقال عبدالله للرجل: يا هذا لقد جئت إليك لأتعرف علي أنواع العبادات التي تؤديها فلم أجد سوي أنك تؤدي الفرائض فقط فقال له: إنني أؤدي هذه الفرائض لكن ياعبدالله هناك شيء أقوله لك إنني حينما أضع جنبي علي الأرض لم يكن في قلبي مثقال ذرة لأي إنسان علي وجه الأرض. تلك هي نعمة الإخلاص ودرجته وصدق ربنا إذ يقول في الحديث القدسي "الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي" وهاتان الخصلتان الاستقامة والاخلاص هما السمة الأساسية لكل عبد يرجو لقاء ربه ويخشي اليوم المستطير فهل نقتدي برسول الله والأنبياء والصالحين في حياتنا هذا ما نرجوه وعلي الله قصد السبيل. دعاء ربنا آتنا من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا. ربي لاتشمت بنا الأعداء ولا تجعلنا مع القوم الظالمين. ربنا قنا شر قالة السوء وقنا شر أنفسنا والشيطان. ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين.