في الأيام الأولي من ثورة يناير المباركة لا أذكر اليوم تحديداً تركت ميدان التحرير أنا وبعض الأصدقاء مكتظاً بالآلاف من الثوار. وقصدنا مقهي قريباً أيام "تاون هاوس" يدعي "الخن" لصاحبه أبو وليد.. لنرتاح قليلاً.. لم نكن في الميدان كقادة أو كمحركين للأحداث.. كنا مجرد أنفار نتشارك في حدث انتظرناه طويلاً. علي القناة الأولي شاهدنا هذه الفقرة الكوميدية.. مذيع ومذيعة تحولا بعد الثورة إلي ثائرين كوميديين يولولان وينددان بالثورة والثوار .. ويستقبلان مكالمات من مواطنين.. تأكدنا بعد ذلك أنهم كانوا في الاستديو يصرخون ويبكون مطالبين بإنقاذهم من البلطجية الذين يقتحمون بيوتهم.. بعدها قالت المذيعة المولولة: معنا اتصال من المستشار أحمد الفضالي رئيس حزب السلام.. سألته المذيعة عن الوضع في ميدان التحرير فأجاب بثقة من يبعث رسالة اطمئنان إلي الرئيس مبارك وعائلته وأركان حكمه "كل شيء هادي في الميدان. مكتبي يطل علي الميدان ولا يوجد فيه سوي عشرة أفراد تقريباً.. علي عكس ما تردد القنوات الفضائية المغرضة". ضحكنا جميعاً ولم نهتم بمتابعة تقرير المستشار الذي يقدمه من مكتبه المطل علي الميدان.. وركزنا اهتمامنا مع القهوجي. أول أمس فوجئت بالإعلامي القدير يسري فودة يستضيف المستشار في برنامجه "آخر كلام" علي قناة "أو تي في" ..في الحقيقة لم أفاجأ أو إن شئت الدقة فإن المفاجأة لم تستغرق سوي ثوان معدودات.. أدركات علي الفور أن هناك "مغرز أو فخ" نصبه هذا الاعلام المحنك للسيد المستشار.. لم يساورني الشك إطلاقا في ذلك.. فيسري فودة الذي لا أعرفه شخصيا وإن كان كنت أتابعه من أيام الجزيرة مذيعاً وكاتبا. هو أبرع وأذكي و أعمق وأنصح إعلامي في مصر الآن. ولا يمكن أن يستضيف الفضالي تحديداً إلا إذا كانت هناك كارثة يجهزها له أو "نكبة" سيصيبه بها.. أو لغم سيفجره في وجهه.. ولعل طريقته في تقديم ضيفه وبروده وحياديته هو ما جعلني متحفزا ومنتظرا كارثة في لحظة ما سيختارها فودة بعناية فائقة. بدا فودة كدرامي محترف يتقن أصول اللعبة.. يعرف كيف يمهد للحديث وكيف يورط شخصياته و صولاً إلي الذروة.. ثم كيف ينهي حدثه ببراعة. ولمن لم يشاهد الحلقة فقد ترك يسري فودة في بدايتها. الحبل علي الغارب للفضالي ليتحدث عن أمجاده في مقاومة النظام الذي كان يضطهده وينكل به. وكيف أنه أثناء الثورة كان يؤوي "أبناءه الثوار" في استراحة جمعية الشبان المسلمين التي يترأسها.. وحينما جاء موعده حانت لحظة الذورة دعاه يسري فوده ببرود شديد وحيادية أشد إلي مشاهدة بعض اللقطات التي لم تكن سوي مشاهد من موقعة الجمل وظهر فيها الفضالي واقفا في كامل أناقته علي مطلع كوبري أكتوبر من جهة عبد المنعم رياض.. الجهة التي كان يحتلها بلطجية النظام البائد ويوجهون من خلالها هجماتهم علي الثوار. كان البلطجية يجيئون ويروحون باطمئنان شديد.. وكان الفضالي يدخن سيجارته باطمئنان أشد ويتحدث مع بعض الصبية الأمر الذي يؤكد أن كل من في هذه المنطقة ينتمون إلي فصيل واحد أو أن هدفهم واحد أو أنهم "كلنا إيد واحدة يابهجت"! الفضالي الذي يشغل الآن ولا تتعجب أرجوك موقعي رئيسي اللجنة التشعريعية في مؤتمر الوفاق الوطني.. جاءت تبريراته ساذجة وواهية ومرتبكة وعلل تواجده في هذا المكان بأنه قريب من مكتبه أي أنه كان في طريقة إلي مكتبة .. ولا تعرف كيف.. وربما تجيب تحقيقات النائب العام عن تلك الأسئلة حيث أكد الشابان اللذان قاما بتصوير الفضالي تقدمهما ببلاغ إلي النائب العام متهمين فيه الفضالي بالتورط في موقعة الجمل. ومستشهدين بالفيديو الذي في حوزتهما. ربما يخرج الفضالي من القضية مثل "الشعرة من العجين" وربما يثبت تورطه في موقعة الجمل فعلاً.. لكن هذه الأمر متروك لتحقيقات النيابة.. وكل واحد وشطارته!!