خيوط كثيرة بدأت تتكشف حول "الطبخة" التي يجري انضاجها في الخفاء بشأن الأزمة السورية.. لا شيء محدد أعلن رسميا حتي الآن.. لكن المؤكد أن هناك "طبخة" يتم إعدادها وراء الكواليس.. تشارك فيها أطراف مهمة وفاعلة يبدو أنها تعبت من فوضي الحل العسكري واقتنعت أخيرا بحتمية الحل السياسي عبر المفاوضات. أهم هذه الخيوط جميعا كشفت عنه صحيفة "الحياة" اللندنية التي قالت إن ولي ولي عهد السعودية وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان التقي رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك بمدينة جدة في السابع من يوليو الماضي فيما سمي ب "اللقاء المعجزة".. وجاء ذلك بعد نحو 20 يوما من لقاء الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سان بطرسبورج الروسية. في لقاء بن سلمان ومملوك ربطت السعودية مصير الأسد بعملية سياسية في سوريا شرطها الأول انسحاب إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها وحزب الله من سوريا.. ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأممالمتحدة.. وفي المقابل تمتنع السعودية عن دعم المعارضة ليكون الحل "سوريا - سوريا". المصادر السعودية ذكرت أن نظام الأسد تعمد تسريب أخبار هذا اللقاء وتسويقه علي انه إشارة لتغيير كبير في موقف السعودية يرضي باستمرار بقاء الأسد.. بل والدخول معه في حلف رباعي لمحاربة الإرهاب يضم "السعودية والأسد وتركيا والأردن".. وقالت هذه المصادر: "لم يطرح أي من ذلك". من الواضح ان نظام الأسد يسعي لتحقيق أقصي استفادة من التقارب السعودي الروسي الحالي والذي سيتوج بزيارة تاريخية مرتقبة يقوم بها خادم الحرمين الملك سلمان لموسكو.. لكن السفير السعودي في القاهرة أحمد القطان أكد في مؤتمر صحفي بكلام قاطع أن موقف السعودية لم يتغير وأن بشار الأسد لن يكون له دور في أي حل مستقبلي. وفي هذا الإطار أيضا كتب جمال خاشقجي المقرب من دوائر الحكم السعودية مقالا نفي فيه تماما وجود أي صفقة مع إيران بوساطة روسية وقبول أمريكي مقتضاها "سوريا مقابل اليمن".. مؤكدا أن دول الخليج وعلي رأسها السعودية رفضت مبادرة روسية طرحت في مباحثات ثلاثية جرت بالدوحة عاصمة قطر بين وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية.. وقال خاشقجي إن المملكة إذا قبلت بهذه المبادرة فإنها لن تتخلي فقط عن موقفها الأخلاقي بالوقوف مع الشعب السوري.. وإنما تتخلي أيضا عن أمنها القومي بالتنازل عن سوريا لمصلحة إيران.. فأي نظام يخرج منتصرا في دمشق بعد تنازل كهذا لن يكون حليفا لإيران فقط كما كان منذ الأسد الأب.. بل سيكون نظاما تابعا تماما لإيران.. وفي ذلك اختراق خطير لأمن كامل المنطقة وليس السعودية فقط.. وإنما مصر والأردن وتركيا". وفي طهران قام وزير الخارجية السوري وليد المعلم ببحث "مبادرة معدلة" طرحتها الحكومة الإيرانية وقالت إنها ناقشتها مع روسيا ودول عربية وسوف تقدمها إلي الأمين العام للأمم المتحدة.. وطبقا لما تم تسريبه فإن هذه المبادرة تقترح وقفا فوريا لإطلاق النار في سوريا وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور بهدف ضمان حقوق الأقليات العرقية والدينية وإجراء انتخابات يشرف عليها مراقبون دوليون. وقام المعلم بزيارة العاصمة العمانيةمسقط والتقي فيها بالوزير المسئول عن الشئون الخارجية يوسف بن علوي.. وهذه أول زيارة يقوم بها لدولة خليجية منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.. والواضح أن سلطنة عمان التي نأت بنفسها عن الصراع السوري طيلة أربع سنوات دون أن تقطع علاقاتها مع دمشق مثل باقي دول الخليج قررت أخيرا أن تدخل علي خط الوساطة.. وعمان - كما نعرف - تحتفظ بسجل وافر من الجهود الدبلوماسية السرية لحل الأزمات.. وتحدثت أنباء عن جهود تبذلها السلطنة من أجل استضافة محادثات اقليمية تضم إيران ودولاً خليجية نافذة علي رأسها السعودية للبحث عن حلول سياسية لأزمات المنطقة وبينها الأزمة السورية. ويوم الخميس الماضي جري اتفاق أمريكي روسي في العاصمة الماليزية علي تشكيل فريق تحقيق دولي تحت إشراف الأممالمتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتحديد المسئول عن هجمات بغاز سام في سوريا. عندما نجمع كل هذه الخيوط إلي جانب بعضها سوف يتضح لنا أن هناك "طبخة" أو صفقة يجري انضاجها سرا وعلي مهل.. وإعداد المسرح لمشهد النهاية في الأزمة السورية.. وهناك كلام كثير يتردد عن الجهة التي سوف تستقبل غدا بشار الأسد عندما يجبر علي الخروج من سوريا.