كانت مدة الوحي - في اجتهادات بعض المفسرين والمؤرخين - أربعين يوماً وذهبت اجتهادات أخري إلي انها خمسة عشر يوماً وقيل اثني عشر يوماً وأكد ابن إسحاق انها ثلاث سنين بينما حدد السهيلي مدة الوحي بأنها كانت سنتين ونصف سنة. يأخذ عبدالحميد السحار بالقول الذي حدد فترة الوحي بأربعين يوماً. لا لأن ذلك هو المشهور فحسب بل لان أبا سفيان قد خرج إلي اليمن في تجارة قريش قبل البعثة وعاد منها بعد خمسة أشهر فوجد أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم يعذبون. ويقول السحار: لو كان حديث أبي سفيان صحيحاً فلا يجوز ان تطول مدة انقطاع الوحي عن المدة التي استغرقها أبو سفيان في ذهابه إلي اليمن وعودته منها. أما ترتيب أحداث السيرة بعد الرسالة بترتيب نزول الآيات فإن أول سورة هي اقرأ ثم المزمل ثم المدثر ثم ن والقلم فالفاتحة فالمسد فالتكوير فالأعلي فالليل فالفجر فالضحي فالشرح فالعصر فالعاديات فالماعون فالكافرون فالفيل فالفلق فالناس فالإخلاص فالنجم فعبس فالقدر فالشمس فالبروج فالتين فقريش فالقارعة فالقيامة فالهمزة فالمرسلات. كانت "اقرأ" أول ما نزل من القرآن ثم فتر الوحي بعد نزولها ثم نزل "يا أيها المدثر" ينقل الكاتب حديث الزهري عن جابر: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم وهو يتحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني في حراء جالساً علي كرسي بين السماء والأرض فجثوت منه رعباً فرجعت فقلت: زملوني فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر". لقد تأخرت "الضحي" كثيراً عن زمنها التاريخي. قال الناس إن الله قد قلا رسوله صلي الله عليه وسلم حين فتر الوحي عنه ولما نزل الوحي علي الرسول بعد فترة الوحي قال كتاب السيرة إنه نزل عليه بسورة الضحي بعد المزمل والمدثر لتأكيد ان ربه ما ودعه وما قلاه. ويرد الكاتب علي استنكار أعداء الإسلام ان ينزل القرآن منجماً بقولهم: لولا نزل عليه القرآن دفعة واحدة بقوله تعالي "كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً" أي جعلناه بعضه في أثر بعض. ويشير الكاتب إلي ما ذكره بعض المؤرخين الغربيين الذين يقرءون التوراة فلا يجدون فيها ذكراً للجنة والنار ان يسخروا من الجنة التي وعد بها الله المتقين في الإسلام ومن النار التي أعدت للمجرمين نسوا ان التوراة التي بين أيديهم قد كتبها اليهود في المنفي بعد ان احرق بختنصر جميع نسخ التوراة الأصلية وكانوا متأثرين بالديانة البابلية التي تقول ان الذين يموتون يذهبون إلي الأرض التي لا رجعة منها. قال مؤرخو الغرب ان النعيم السماوي - كما وصفه القرآن الكريم - من النقائص التي تقدح في العبادة النزيهة تناسوا انه ما من دين سماوي خلا من مبدأ الثواب والعقاب بل وما من دين حتي من أديان الوثنيين إلا وقد وعد المؤمنين براحة بعد الموت أو بعذاب في الدنيا فليس من العدل إذن ولا من النزاهة التسوية بين الصالحين والطالحين والمصلحين والمفسدين. إن العبادة النزيهة - والكلام للسحار - هي عبادة الله وحده إله عادل لا فرق عنده بين أمة وأمة ليس إله شعب دون شعب ولا فرق بين أسود وأبيض أمام عدالته فهو رب الناس جميعاً إله الناس جميعاً لا ينظر إلي ألوان عباده ولا إلي عصبيتهم فهو إله البشر جميعاً يحاسبهم علي أعمالهم وهذا هو الإله الذي دعا محمد صلي الله عليه وسلم إلي عبادته وهذا هو دين الإنسانية الذي أنزله الله - سبحانه - علي رسوله وهذه هي نزاهة العبادة فلا فضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". للكلام بقية