أصدر الكاتب الكبير الراحل عبدالحميد السحار العديد من الروايات والمجموعات القصصية التي تغطي جوانب مختلفة في حياتنا الاجتماعية. وتسلط الضوء علي سلبياتها من زاوية أخلاقية.. لكن العناية بالتاريخ الاسلامي كانت- في الحقيقة- شاغل السحار منذ بدايات حياته الأدبية. سعيا لكتابة أهم- وأخطر- أعماله: محمد رسول الله والذين معه. من هنا كان حرص السحار علي تقديم الكثير من الأعمال القصصية والروائية التي تعني بالجوانب المختلفة من تاريخنا الاسلامي.. فترجم مع محمد فرج "الرسول". وألف "أهل بيت النبي". و"المسيح عيسي بن مريم". و"قصص من الكتب المقدسة". "بلال مؤذن الرسول". و"حياة الحسين". و"عمر بن عبدالعزيز". وغيرها السيرة النبوية هو ذروة اضافات السحار إلي المكتبة الاسلامية. انها تتناول سير الانبياء. منذ آدم أبي البشر. إلي إبراهيم أبي الانبياء. حتي وفاة الرسول. في 20 جزءا كبيرا. يصل مجموع صفحاتها إلي حوالي عشرة آلاف صفحة.. كان السحار قد عني بإعداد مراجع السيرة. قبل حوالي الثلاثين عاما. ثم خلال لإتمامها في السنوات الأخيرة من حياته. ليبدأ في كتابه سيرته الذاتية التي أطلق عليها اسم "انا والموت". ربما احساسا منه بدنو الأجل. وان أذن لي في أن يتغير الاسم إلي "هذه حياتي" عدد اعدادها للنشر في "الجمهورية". والحق أنني لا أدري من اين استمد أحد الكتاب قوله إن السيرة النبوية استغرقت من مؤلفها سبع سنوات في الدراسة والتأليف. المدة الحقيقية التي استغرقها اعداد السيرة. وكتابتها. يجاوز الثلاثين عاما السيرة النبوية هي حلم السحار الأول- والانجاز الأهم في حياته اطلاقا- أتصور مشاعره وهو يضع نقطة الختام في الجزء العشرين. رحلة طويلة. بدأت في الصبا. وانتهت بالحياة في ظل السن المتقدمة. كانت إعادة كتابة "السيرة" بحقائق علمية وبأسلوب عصري- حلما قديما للسحار شغلته فكرة التاريخ للسيرة النبوية منذ فجر الانسانية إلي تبليغ الرسالة المحمدية كلما وجد معلومة. تصور أنها يمكن أن تفيده. سجلها وضمها إلي ما سبق تسجيله من بطاقات. آلاف البطاقات التي تختلف منابعها. وإن اتجهت إلي النهر الواحد اعتمد- بصورة اساسية- علي القرآن الكريم والأحاديث التي اسقط منها ما اشتم فيه رائحة الاسرائيليات. أو انتحلت لأسباب تاريخية أو سياسية انشغل السحار- في الوقت نفسه- بكتابة القصة القصيرة والرواية. وصدر له الكثير من الروايات والمجموعات القصصية. لكنه لم يخطيء الهدف. ظلت إعادة كتابة السيرة النبوية حلمه الأول.. أكاد أقول: حلمه الوحيد. انشغاله بالمكانة المتفرقة بين ابناء جيله. وانه اذا كان قد رضي بأن يكون التالي لنجيب محفوظ في الرواية. فقد حاول ان يتميز في القصة القصيرة.. ذلك الانشغال. لم يصرفه عن الاعداد لكتابة السيرة النبوية. بل ان مؤلفاته الدينية الباكرة. كانت ارهاصا بعمله الضخم الذي استغرق مساحة زمنية واسعة.. أذكر اني لمحت بعض اصولها. صفراء يتوالي السنين. في غرفته الصغيرة ببيت مدينة نصر. الذي عاش فيه آخريات أيامه. لم يكن يلفت فرصة للحديث عن أمنيته في أن تكون هي مسك الختام لأعماله الأدبية أن تكون عمل العمر- وهو قد أخلص في ذلك فعلا- بالبحث والقراءة والمقارنة واختيار الرأي الأصوب. والذي يستقيم مع رأي الاسلام. ومع المنطق. وروح الدعوة. كتب السحار السيرة النبوية في خمسة أعوام وصدرت في عشرين جزءا لتضاف إلي المؤلفات الموسوعية الضخمة التي قلت في حياتنا الثقافية المعاصرة إلي حد الندرة ربما نتذكر كتبا قليلة. مثل "شخصية مصر" لجمال حمدان. و"عصر المرابطين والموحدين" لعبد الله عنان. و"علي بن أبي طالب" لعبد الفتاح بعدالمقصود. وثلاثية نجيب محفوظ. وموسوعة "مصر القديمة" لسليم حسن. ومؤلفات شوقي ضيف وغيرها. وإذا كانت اجزاء السيرة لم تحقق الصدي المطلوب في مصر. فإنها قد أحدثت أصداء. وتأثيرات. في العالمين العربي والاسلامي. إلي حد أنها زورت في البيوت. ومع ذلك أعيد طبعها مرات. لقد اتهم السحار نفسه بأنه وزع موهبته- وجهده بالتالي- في العديد من المجالات. لكن الانجاز الأهم له- باعترافه- هو السيرة النبوية- أعطاها معظم عمره قرأ وقارن وازن وثبت آراءه ورفض آراء مناقضة. وقد عملاً موسوعيا. أثق أنه هو ما سيبقي من أدب السحار.