بعض النقاد الأمريكيين الراديكاليين حاولوا أن يبرهنوا علي أن أفلام هوليود تسعي من أجل إضفاء صفة الشرعية علي المؤسسات الراسخة والقيم التقليدية والتدليل بأن أسلوب هذه الأفلام عند تمثيلها لظواهر المجتمع يغرس النزعة المذهبية "الأيدولوجية". وتقوم هذه المؤسسات علي تمجيد النزعة الفردية وإعلاء الأقوي وتأكيد مبدأ البقاء للأصلح. بالإضافة إلي تكريس الفكر البطريركي الذي يقر مسألة تفضيل الرجل ووضع المرأة في مرتبة اجتماعية أدني. بالإضافة إلي العنصرية التي تقوم علي التمييز عند تقسيم القوي السياسية. وتتضمن المادة الموضوعية وأسلوب معالجتها تمثيلاً للعادات والتقاليد والأعراف يؤكد أنماط التفكير والسياسات والمفاهيم التي تعلي من شأن "المؤسسة" وتبقي عليها باستخدام المنطق الدارج والذهنية التي توحي بالواقعية والعناصر التي تغرس أفكاراً أيدولوجية بعينها توهم المتلفي بأن ما يحدث علي الشاشة يتماشي مع الواقع وليس بناءً مصنوعاً من أجل تكريس وجهة نظر بعينها. الفيلم الهوليودي يطرح للجمهور من خلال الاختيار والتجميع المتعمد للعناصر المرئية والموضوعية التي يُفترض أنها تمثل ظواهر مجتمعية وأناس حقيقيين. يطرح ركاماً من الأسئلة حول الطريقة التي تفرض علي المتفرج وجهة نظر بعينها وتضعه في مكانة المتلقي المستقبل لأشياء الحياة دون صنعة. مع الحرص علي شطب كل العلامات السينمائية البارزة التي تؤكد افتعالها. أما عملية غرس الأفكار الأيدولوجية فإنها تتم عبر اختيار دقيق للمادة الموضوعية التي تمجد مغامرات الرجل وبحثه الذكوري عن البطولة. ومن خلال الميلودرامات الأنثوية والعنف التطهيري الذي يحقق التوبة. إلي جانب التشخيص النمطي الذي يُكرس العنصرية ويدعم الأيدولوجية وأيضاً من خلال ربط تأثير الواقع علي القيم والمؤسسات بحيث يجعلها تبدو كما لو كانت نتائج طبيعية للخصائص الذاتية ولعالم لا يتغير.. فالقيم والتقاليد الثابتة في الأفلام من شأنها أن تجعل المتفرج يعتاد عليها ويتقبل الأسس الرئيسية للنظام الاجتماعي ويتجاهل عدم عقلانيتها والظلم الذي تنطوي عليه.إن حكايات الشخصيات التي ترويها الأفلام فضلاً عن عملية رسم خطوط حياتها من خلال قضايا اجتماعية مثل الحرب والجريمة يتم معالجتها بحيث تبدو المبادئ والقيم التي يقوم عليها النظام الاجتماعي سليمة وجيدة. التوحد مع الشخصيات ويتم غرس الأفكار أيضاً من خلال تمثل الشخصيات والتوحد معها ومع أسلوب تمثيلها للنظام العام مما يجعل المتفرج سيكولوجياً مشاركاً علي نحو عفوي في نظام يقوم علي الاستغلال والسيطرة. وكثيراً مما يحدث في السينما الهوليودية يتم بالفعل وفق تخطيط أيدولوجي.. وهذا المفهوم الأيدولوجي السينمائي من شأنه تسطيح الفروق الضرورية بين الأفلام في لحظات معينة من التاريخ. كما أنه يتجاوز مسألة التمايز بين الاستراتيجيات العديدة القائمة علي كيفية تمثيل الظواهر المختلفة والتأثيرات التي تحدثها الأفلام في المواقف الاجتماعية المتنوعة. ووظائف الفيلم تختلف من عمل لآخر باختلاف الطريقة في بناء المادة الموضوعية وباختلاف الفترة الزمنية.. علي سبيل المثال الفيلم الهوليودي منذ عام 1967 يتميز تماماً عن الأفلام التي أنتجت في مراحل سابقة. في أولي مراحل الحرب الباردة في نهاية الأربعينيات وحتي منتصف الستينيات سيطرت علي السينما الهوليودية أفلام السينما سكوب ذات الإنتاج الضخم من نوعية "بن هود" و"كيلوباترا". والأفلام الاستعراضية الرومانسية من نوعية "اوكلاهوما". و"صوت الموسيقي". وأفلام الميلودراما العائلية مثل "رحلة" Picnic و"العملاق" Giant والأفلام المعادية للشيوعية مثل "التهديد الأحمر". و"كنت شيوعياً لحساب إف بي آي" وأفلام الحرب الباردة البوليسية التي تعالج النشاطات الجاسوسية مثل "مرشح مانشوريا" وأفلام النجم جيري لويس الكوميدية ثم الكوميديا الرومانسية بطولة دوريس داي وروك هدسون "حديث الوسادة" وأفلام البارانويا التي تعالج موضوعات ترتبط بالوحوش مثل "همُ" Them و"الشيء" The Thing وأفلام التي تعبر عن النزعة المحافظة أو النزعة الليبرالية وأفلام الويسترن "الكاوبوي" مثل "الباحثون" The searches و"القوس المكسور" وأفلام أطلق عليها النقاد أفلام "تعاقب المرأة" مثل "الطيور" و"سايكو" والأفلام الاخلاقية الاجتماعية مثل "الرجل ذو الذراع الذهبية" و"متمرد بلا قضية". وفي حين سادت السينما في هذه الفترة التاريخية جواً أيدولوجياً عاماً واعتبرت بشكل رئيسي سينما محافظة أو في أحسن الأحوال معتدلة ظهرت مجموعة قليلة من الأفلام يميزها قدر من الوعي السياسي أو الحس النقدي مثل فيلم "عز الظهيرة" tligh noon و"هجوم" Attack و"البربري" The usildone و"المتمردون" و"طريق المجد" و"يوم أن وقفت الأرض ساكنة". "الخارجون عن القانون" وفيلم "كل ما تسمح به السماء" و"علي الشاطئ" وفيلم "أري وأصدق.. كيف علمتنا أفلام هوليود أن نتوقف عن القلق ونحب الخمسينيات". إن الكثير من أفلام هذه المرحلة بما فيها تلك التي تتسم بالنزعة المحافظة طرحت أسئلة حول الأساطير والقيم السائدة. فلم تبدأ السينما في طرح أسئلة حادة وتتبني موقفاً نقدياً عبر اختيار الموضوعات وأساليب معالجتها مثل تلك التي ميزت السينما الأوروبية وسينما العالم الثالث جزئياً إلا عند منتصف الستينيات. الزحف اليساري لقد حدث نوع من "الزحف اليساري" حسب وصف الناقد بيتر بسكن خلال فترة الستينيات علي سبيل المثال. ثورة العبيد في فيلم "سبارتاكوس" "1960" وفيلم "الشقة" الذي يخسر من "بيزنس الجنس" والهجوم علي النزعة الدينية الأصولية في فيلم "إرث الريح" "1961" و"التعصب الاجتماعي" في "قصة الحي الغربي" وفيلم "روعة العشب" الذي يهاجم الكبح الجنسي للشباب وفيلم "محاكمات نورمبرج" الذي يدافع عن الإدانة التي يوجهها الليبراليون ضد التعصب "1962" وأفلام أخري كثيرة تعكس الزحف اليساري الذي بدأت تعبر عنه الأفلام ومنها أفلام اكتسبت شهرة عالمية كبيرة مثل فيلم "قتل طائر مغرد" و"أيام الخمر والورد" وقد توجت هذه النزعة الليبرالية اليسارية لفيلم "رجل لكل العصور" و"الروس قادمون" الذي يهاجم الحرب الباردة. و"من يخاف فرجينينا وولف". ويشير المؤرخون السينمائيون إلي عام 1967 باعتباره عاماً ثورياً وذلك بعد الافتتاح المشهود لفيلم "ليوك ذو اليد الباردة" الذي ينتقد السلطة ويمجد التمرد ويدين النزعة المحافظة في الجنوب الأمريكي.. ويضيف إلي هذه التسمية بُعداً أكبر فيلم "خّمِن مَنْ القادم علي العشاء" الذي يفضح السلوكيات العنصرية للأمريكي الأبيض.. وفيلم "بوني وكلايد" الذي يضفي جواً رومانسياً علي العصابات الإجرامية وفيلم "الخريج" The graduate الذي يدين الطبقة البورجوازية الجديدة ويعكس الشعور المتنامي بالاغتراب لدي الشباب وأيضاً فيلم "في لهيب الليل" الذي يصور العنصرية في الجنوب. وفيلم "الجماعة" The Group الذي يتبني موقفاً ليبرالياً ازاء المرأة في الثقافة الأمريكية وفيلم "ماراصاد" الذي يعالج الثورة الفرنسية وعلي نحو غير مباشر يتناول مشكلات الاستغلال في المجتمع المعاصر.. وفيلم مع "سبق الإصرار" الذي يكشف النقاب عن سيكلوجية القاتل ومفهوم "الجريمة والعقاب". إن عام 1967 يشكل علامة فارقة في هوليود والفترة ما بين 1966 1968 تعتبر ذروة مرحلة الستينيات.. حيث توسع الاقتصاد وسعت الحكومة أو الليبراليون فيها إلي عمليات إصلاح وكذلك شهدت ثورة السود ضد أشكال الاضطهاد مثلما تغيرت القيم السائدة التقليدية بعد انتشار المخدرات والممارسات الجنسية. بالإضافة إلي المظاهرات المناهضة للحرب ضد فيتنام التي اكتسبت تأييداً وأثارت انتباه حركة اليسار الجديد ولكن شهدت هذه السنة نفسها "1967" علامات للمستقبل. وأهمها الهزيمة العسكرية والانهيار الاقتصادي وبزوع نجم القائد الشعوبي اليميني وبدايات ما يسمي باليمين الجديد مع نهاية السبعينيات وباكورة الثمانينيات. إن التغييرات الاقتصادية والمؤسسية في صناعة الفيلم ساهمت في التحول الذي أصاب هوليود فما تبقي من الاستوديوهات القديمة فيها تم بيعه إلي مؤسسات كبيرة. واندمجت بعض الاستوديوهات في كيان واحد.. وتم إنتاج الأفلام وفق صفقات يمولها منتجون مستقلون أو وكلاء قادرون علي ضمان التمويل من الاستوديوهات الكبيرة وهم يتولون بأنفسهم عملية التوزيع. ردة رجعية ومع بداية الثمانينيات من القرن الماضي وتحت رئاسة رونالد ريجان لأمريكا. استطاعت الحركات المحافظة اليمينية التي شهدت انتعاشاً قوياً أن تكبح جماح النزعة الليبرالية وتقوض مكاسبها التي تحققت في الخمسين سنة التي سبقتها ومن جديد سيطرت النزعة الفردية والبطولة المنفردة للرجل وانفراده بالسيطرة الأسرية وإعلاء شأن العلاقات الذكورية المجيدة. فيلم "ضابط وجنتلمان" والرجل قوي الشكيمة المغامر في "انديانا جونز" والعسكرية المنتصرة وذلك بالعودة إلي أفلام حرب فيتنام. وفي خضم هذه الموجة المحافظة لم تتوقف الموجة الليبرالية رغم ذلك انعكست ملامحها التي عبرت الستينيات وامتدت إلي السبعينيات والثمانينيات ويشهد علي ذلك أفلام مثل "ألعاب الحرب" و"مفقود" و"تحت النار" و"السلفادور". وللكلام بقية