تبذل منطقة الآثار الإسلامية بالإسكندرية جهوداً مكثفة لكشف الغموض الذي يخيم علي السرداب الأثري المكتشف بالصدفة مؤخرا أسفل حدائق المنتزه بالإسكندرية بعد الحيرة التي أصابتهم حول تحديد هوية الأثر مما دفع الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار إلي تشكيل لجنة أثرية تضم مجموعة من مفتشي الآثار بالمنطقة لدراسة الموقع الأثري وذلك بعد تطهير السرداب الذي تصل مساحته إلي ما يقرب من 1500 متر تحت الأرض من الخفافيش التي تنتشر به. حيث يعمل الأثريون حاليا علي كشف أسرار الأثر ووضع التصورات المختلفة وتعددت الآراء والتكهنات حول أسباب إنشائه والهدف منه وفي أي حقبة زمنية. بني فيها . فهناك من الآراء التي تزعم أن الأثر كان سجناً للمعارضين بسبب كثرة الحجرات الضيقة به ومنهم من يري أنه كان مركزاً لاجتماع قادة الجيش الإنجليزي ووضع الخطط العسكرية لإدارة حربها ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية لوجود دلائل علي أنه كان مزودا بأجهزة تكييف ومنهم من يري أنه كان مخزناً للأسلحة ولكن الآراء أجمعت أن السرداب تم بناؤه في عهد الخديو عباس حلمي الثاني خلال الفترة التي بني فيها قصر المنتزه. قامت "المساء" بزيارة السرداب الأثري الذي يبعد عن البوابة الفاصلة بين حدائق المنتزه والمعمورة بما يقرب من 150 متراً فقط ويصل عمقه إلي ما يقرب من ثمانية أمتار تحت سطح الأرض وبعد نزولنا للسرداب بواسطة سلم خشبي ودخولنا من بوابته الرئيسية انعدمت الرؤية نهائيا لشدة الظلمة به فقمنا بإضاءة الكشاف الذي كنا نحمله الذي استطاع بالكاد أن ينير لنا الطريق الذي نسير عليه حيث بنيت حوائط السرداب من الطوب الأحمر والأحجار الكبيرة ويحمل السقف مجموعة من الاعمدة الحديدية الممتدة بشكل عرضي. بحيث ينعزل السرداب نهائيا عن الأصوات الخارجية ولم نسمع به سوي أصوات صراخ الخفافيش المنزعجة من ضوء الكشاف الذي يوجد معنا وأجنحتها التي ترفرف حولنا دون ان نراها. يتكون السرداب من حجرتين علي جانبي مدخل السرداب ومن المرجح أنهما كانا مكاتب إدارة ما كان يدور بالسرداب ويتوسطهم البوابة الرئيسية التي يوجد بها بهو كبير ومن اللافت للنظر هو احتواؤه بعض العلب المعدنية ووصلات لخروج هواء التكييف البدائي المثبتة أسفل السقف ويخرج من البهو جناحان علي أقصي جانبيه يوجد بها العديد من الحجرات الضيقة الممتدة بطول الجناحين و المزودة بأبواب حديدية كما يتوسط البهو مدخل صغير يصل ببهو آخر به ممر ضيق يوجد علي جانبيه حجرات ضيقة مزودة جميعها ببوابات حديدية وعلي الرغم من امتداد مساحة السرداب إلا أنه لا يوجد به سوي مدخلين فقط واحد شمالي والآخر جنوبي والأول يبعد عن الثاني بما يقرب من 50 متراً فقط وتتوسطها فتحات ضيقة لتجديد التهوية بالسرداب. ويقول محمد متولي مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية إنه تم اكتشاف السرداب الأثري خلال قيام إدارة حدائق المنتزه بأعمال التطوير والتجديد وتقليم بعض الأشجار التي كانت تجحب الرؤية عن مداخل السرداب فوجئنا بإبلاغ أحد سكان منطقة المعمورة المجاورة لحدائق المنتزه بانه وجد حفرة كبيرة بتربة حدائق المنتزه فقمنا بتشكيل لجنة لمعاينة الموقع واكتشفنا أنه سرداب أثري يوجد أسفل حدائق قصر المنتزه تبلغ مساحته ما يقرب من 1500 متر تقريبا وبعد إبلاغ الوزارة أصدر الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار تعليماته بتشكيل لجنة من مفتشي الآثار لتحديد ماهية المكان وتحديد المطلوب لعمل الدراسات البحثية والأثرية اللازمة وعلي الفور تم تشكيل اللجنة التي طالبت بضرورة تطهير الموقع من الخفافيش التي اتخذت الأثر وكرا لها لفترات طويلة وإعداد مشروع لإنارة السرداب حتي تتمكن اللجنة الأثرية من القيام بأعمالها البحثية من خلال فحص ودراسة الموقع ورفع تقريرها النهائي حول ماهية المكان وتحديد هويته والسبب من إنشائه واستخداماته خلال المراحل التاريخية المختلفة. ويرجح راضي موسي مفتش منطقة آثار شرق الإسكندرية أنه تم بناء السرداب مع بناء قصر المنتزه خلال القرن الماضي في عهد الخديو عباس حلمي الثاني الذي أمر ببناء القصر وذلك لعدم توافر المعدات اللازمة لحفر هذه المساحة الشاسعة خلال الفترات التي استخدم بها السرداب ولذلك فإنه تم حفر الأرض وبناء الحجرات والحوائط الفاصلة ثم تم تغطية سقف السرداب وزراعة الحدائق فوقه. مشيرا إلي ان السرداب بني في المنطقة الجنوبية للقصر لتجنب ظهور مياه البحر خلال اعمال الحفر علي أعماق كبيرة. مضيفا أن السرداب تم استخدامه مرة أخري في عهد الملك فاروق وذلك يتضح من خلال مواسير التكييفات التي توجد بالسرداب للتغلب علي ضعف التهوية داخل السرداب. مشيرا إلي ان التكييفات البدائية كانت قد انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية. أكد موسي أن جميع التصورات مطروحة حول ماهية السرداب وأسباب بنائه والاستخدامات التي صمم من أجلها ولكن علي الأرجح أنه كان سجناً للمعارضين أسفل الأرض قام ببنائه الخديو أو كان مخزناً للأسلحة خلال الحرب العالمية الثانية استناداً إلي أن الخديو عباس حلمي الثاني كان معارضاً للإنجليز فمن الممكن أن يكون هذا السرداب مخزن سلاح لتسليح المقاومة الشعبية ضد الاحتلال وذلك بسبب قرب السرداب من بوابة المعمورة التي كانت خلال هذه الفترة عبارة عن أرض فضاء خالية من السكان ولكن الملك فاروق هو من أمر بتعمير هذه المنطقة ومن هنا أطلق عليها المعمورة وأضاف أن السرداب يوجد له مدخلان ولكن ليسا ممهدين للخروج والدخول لعدم وجود سلم بهما ومن هنا يرجح بأن هناك مدخلاً رئيسياً للسرداب لم يتم اكتشافه حتي الآن. كما انه من المرجح أيضا أن يكون السرداب ممتداً وتم فصله ببناء حائط فاصل وذلك ما يتم اكتشافه بعد تطهير السرداب وإنارته لتطابق الحوائط به ومعرفة الحوائط المستحدثة علي فترة إنشائه. بينما استبعد الدكتور محمد رجب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة الإسكندرية فكرة أن يكون الغرض من بناء السرداب هو تحويله إلي سجن لمعارضي الخديو الذي أشتهر بحبه للمصريين والسلطان العثماني وكرهيته للإنجليز الذين عملوا علي عزله حتي عام 1914 ولم يكن له معارضيون سياسيون أو خصوم سوي الإنجليز ولذلك فإن فكرة ان يكون السراب والغرف التي توجد به سجن غير مقبولة نهائيا. لأن قصر المنتزه كان أحد متنزهات الأسرة المالكة وليس من الطبيعي أن يقوم الخديو بإنشاء سجن أسفل القصر الذي يتنزه به مع أسرته ويؤرق حياته بسجن معارضيه في نفس المنطقة التي يمكث بها كما انه لا يوجد أي اشارات أو رسومات علي جدران السرداب تشير إلي وجود مساجين احتجزوا فيه لفترات زمنية كما هو الحال في السجون العادية. أشار رجب إلي انه من المعروف أنه تمت إضافة منشآت عديدة علي قصر وحدائق المنتزه خلال فترة حكم الملك فاروق وما بعد ثورة يوليو 1952 ولكن من الأرجح أن البناء السفلي للسرداب تم بالاتفاق بين الخديو عباس حلمي الثاني والمهندس الإيطالي الذي قام بناء القصر وظل الأمر سرا إلي ان تم استخدامه بشكل سري أيضا خلال فترة الملك فاروق حتي أنه قادت الصدفة إلي اكتشافه لأن إضافة هذا السرداب لاحقا بعد بناء القصر أمر صعب هندسيا في ذلك التوقيت. كما أن السرداب يظهر في عمارته الطراز الإيطالي من الكرانيش والمنحنيات القبوية والأبواب الحديدية علاوة علي الأحجار الملونة التي توجد بالحوائط. ويرجح رجب سبب إنشاء السرداب أنه كان يستخدم مخبأ للخديو وأسرته في حالة تعرضهم لخطر خارجي أو قذائف باعتبار الإسكندرية كانت مدينة غير امنة لوقوعها علي الساحل فمن السهل اختراقها وقذفها. كما انه من المحتمل أن يكون هذا السرداب والحجرات كانا بمثابة بدروم للقصر ولكن لظروف ما اختفت معالم أبواب البدروم وكان الخديو يستخدمه ليحتفظ فيه بالأشياء الثمينة التي لا يريد أن تقع في أيدي أحد. أضاف أستاذ التاريخ المعاصر بأنه قبل بناء قصر المنتزه كانت الأرض تحت تصرف الأسطول البحري المصريپومن المرجح أن هذا السرداب يرجع بناؤه إلي هذه الفترة ولكن مصمم القصر لم يردمه. فقام ببناء سقف له للحفاظ علي المبني الذي كان يوجد علي سطح الأرض وكان يستخدم كمقر إداري للإسطول البحري. كما انه من المرجح أن يكون هذا السرداب تم استخدامه في عهد الملك فاروق من قبل الإنجليز لقادة الجيش الإنجليزي لإدارة حربهم علي الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وذلك يظهر من خلال مواسير التكييفات التي توجد بالسرداب. مما يؤكد أنه كان يستخدم من قبل أفراد ذات شأن رفيع ليس لمجرد جنود فقط.