ما هي ملامح السياسة الخارجية لمصر بعد ثورتي يناير ويونيو؟.. وهل تمر هذه السياسة بمرحلة تحول جذري بالفعل؟.. وماذا تحتاج مصر من العالم الخارجي.. وهل هي قادرة علي التعامل معه؟ وبأي معيار. التقارب المصري الروسي الذي يرصده المعلقون والمراقبون السياسيون والذي توج بالزيارة الأخيرة للرئيس السيسي لموسكو.. هل يمضي إلي نهاية الشوط بها يستنسخ العلاقات القديمة بين القاهرة وموسكو؟ الدكتورة نورهان الشيخ عضو المجلس المصري للشئون الخارجية والمتخصصة في العلاقات الروسية تجيب عن هذه التساؤلات. * ما هي قراءتك لزيارة الرئيس السيسي الأخيرة لروسيا؟! ** زيارة مهمة جداً لها دلالات كثيرة في غاية الأهمية الدلالة الأولي تتعلق برغبة القيادة المصرية في دفع العلاقات المصرية الروسية خاصة أنها أول مشاركة من نوعها علي مستوي الرئيس المصري في احتفالات عيد النصر في روسيا الاتحادية. وهذا يؤكد أن العلاقات تتجه في منحني استراتيجي هام جداً وأن هناك إرادة لدي الدولة المصرية لتطوير العلاقات. أما الدلالة الثانية فتظهر بوضوح في استقلالية القرار في العلاقات الخارجية خاصة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مارست ضغوطاً شديدة جداً علي كل حلفائها في أوروبا وفي آسيا لعدم المشاركة في هذه الاحتفالات. * وما دلالة اللقاءات التي عقدها السيسي علي هامش الاحتفالات؟! ** الرئيس قابل رئيس الصين ورئيس كازاخستان والرئيس الأرميني وعددا كبيرا من ممثلي فيتنام وغيرها وتحليل ذلك أن مصر تتجه إلي الخروج من الدائرة الضيقة للشراكة الغربية والحلفاء الإقليميين لها بتنويع شراكتها في آسيا وأمريكا اللاتينية.. وهذا أمر هام جداً بالنسبة لمصر وعلي سبيل المثال الرئيس التقي الرئيس الأرميني وهذا يعتبر نقلة نوعية في العلاقات خاصة في ظل توتر العلاقات الأرمينية التركية. وايضا توتر العلاقات المصرية التركية.. وبالتالي أعطي اللقاء فرصة لدفع العلاقات بيننا وبين أرمينيا. وهذا دليل علي التفكير بشكل جديد وغير تقليدي في مجال السياسة الخارجية. العلاقات مع روسيا * لكن كيف تري روسيا العلاقة مع مصر؟! ** إن مشاركة الرئيس في احتفالات عيد النصر غيرت كثيراً من النظرة الروسية فهي تري أن مصر حليف قوي وشريك مهم وحريصة علي الدفع بعلاقتها مع مصر وليس من اليوم بل منذ الثمانينيات عندما أعاد الرئيس الأسبق مبارك العلاقات. ولكن كانت هناك بعض التخوفات من تكرار ما حدث من الرئيس السادات في السبعينيات وطرد الخبراء الروس أو الاستجابة للضغوط الأمريكية في كثير من القضايا ولكن بعد ثورة 30 يونيو الوضع اختلف تماماً وحلت الثقة. ويمكن نطلق عليها مرحلة إعادة بناء الثقة بين الدولتين وهذه الثقة زادت بعد زيارة الرئيس السيسي والإحساس بالحرص علي دفع العلاقات الاستراتيجية وتغيير توجهات السياسة المصرية بما يخدم المصلحة الوطنية فأصبحت روسيا أكثر ثقة واطمئنانا في العلاقات المصرية من ذي قبل. * ماذا تحتاج مصر من روسيا والعكس؟! ** نحتاج من روسيا التكنولوجيا خاصة أن هناك قاعدة صناعية فيها 97 مصنعاً ومشروعاً تنموياً كبيرا أقامهما الاتحاد السوفيتي السابق وهي في حاجة للتحديث الآن وإطلاقها لدعم الاقتصاد المصري بالإضافة إلي إقامة صناعات جديدة والحديث يدور حول المنطقة الصناعية الروسية في مصر. والأهم إقامة المفاعل النووي في الضبعة بمساعدة روسيا. ومن المعروف أن روسيا أكبر مصدر للسياحة في مصر فيأتي ما لا يقل عن 3 ملايين سائح روسي سنوياً ولم ينقطعوا عن مصر أبداً حتي في أصعب الظروف التي مرت بها البلاد ونهدف إلي زيادة السياح. بالإضافة إلي 40% من احتياجات مصر وخاصة القمح والسلع الاستراتيجية تأتي من روسيا. وهي سوق أساسي لاستيعاب السلع الزراعية والاستهلاكية خاصة المنسوجات ومنتجات التجميل هذا إلي جانب استيراد شحنات ضخمة من الغاز المسال تم الاتفاق عليها لمدة خمس سنوات وهذا مهم جداً لمصر بالإضافة إلي أن الشركات الروسية لإنتاج الطاقة يصل إلي 15% من إجمالي إنتاج الطاقة في مصر فنحن في حاجة للتبادل الاقتصادي والتقني. يضاف إلي ذلك البعد الأمني والاستراتيجي فروسيا مصدرة للسلاح ومصر سوق مفتوح لها وهي ثاني دولة مصدرة للسلاح في العالم وصادرتها تمثل 26% من إجمالي صادرات العالم للسلاح وبالتالي فهي تملك تكنولوجيا حديثة وهذا اتضح في العرض في احتفال النصر وظهرت الأسلحة الحديثة التي تمتلكها بالإضافة إلي أن لديها خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب ولديها قدرات لوجستية ومعلوماتية في غاية الأهمية وهذا يفيد مصر في نقل هذه الخبرة الجيدة والتعاون معها مطلوب لاستكمال مسيرة مصر في القضاء علي الإرهاب وبالتالي روسيا شريك اقتصادي وأمني وعسكري. وهناك رؤية مشتركة للقضايا الإقليمية في المنطقة ويهمها الاستقرار في ليبيا وسوريا والعراق والسودان واليمن والتقارب في وجهات النظر في معظم الملفات الإقليمية يعتبر المظلة الحاكمة للعلاقات والرؤي المشتركة تدعم العلاقات. التبادل التجاري * نتكلم بالأرقام عن حجم التبادل التجاري بين البلدين؟! ** حجم التبادل التجاري 6.4 مليار دولار وهذا أفضل مما كان عليه الحال ولكن غير كاف لأن فرص التبادل التجاري كبيرة جداً خاصة مع تشجيع الصادرات المصرية إلي روسيا ولكن المشكلة في أحيان كثيرة أن ما نصدره إلي روسيا لا يلبي احتياجات المعايير هناك رغم أن المعايير أفضل من معايير السوق الأوروبية التي تضع معايير وشروطاً صعبة جداً. ولكنها تحتاج إلي منتج جيد لأن هناك دولاً كثيرة تنافس الصادرات المصرية ومنها تركياوالصين. فعلينا أن نؤسس لثقة في المنتج المصري لأن السوق الروسي ضخم ويستوعب صادرات كبيرة ولكن علينا مراعاة الشروط التي تضعها روسيا. في نفس الوقت نحن نستورد من روسيا القمح والسلع الاستراتيجية والورق والخشب وغيرها. محاور السياسة الخارجية * كيف يمكن توصيف السياسة المصرية الآن؟! ** السياسة المصرية الخارجية في مرحلة تحول وتغيير وإعادة هيكلة. وتعيد صياغة تحالفاتها سواء الإقليمية أو الدولية وهناك تركيز واضح علي الدائرة الافريقية والعربية وتأتي العربية في مركز الصدارة نتيجة أهميتها لمصر وموقفها من ثورتي يناير و30 يونيو خاصة السعودية والإمارات ودول الخليج بشكل عام باستثناء قطر ثم الدائرة الافريقية وعلي رأسها اثيوبيا والسودان والتي لا تقل أهمية فهي تتحرك في الدائرتين بنفس الثقل والاهتمام. وفي هذه الأيام يقوم سامح شكري وزير الخارجية بجولة افريقية واسعة ليترجم هذا الاهتمام بالإضافة إلي المؤتمر الذي سيعقد في يونيو القادم كل هذا يدعم سياسة مصر في تحركاتها إلي جانب البعد الدولي الذي يتقارب أكثر مع الكتلة الشرقية وآسيا بشكل عام لأن النظام الدولي يتغير وأحد سماته أن ثقل آسيا في السياسة الدولية يزداد علي حساب أوروبا وأمريكا الشمالية. ولم تعد أوروبا وحدها هي القارة العجوز كما كان يطلق عليها الرئيس الأمريكي بوش بل أصبحت الولاياتالمتحدة هي ايضا عجوزا.. هذه القوي التقليدية تتراجع نسبياً والدليل أن مؤشرات الاقتصاد في الولاياتالمتحدة بدأت تتراجع مرة أخري فلم يعد لها نفس الثقل الاقتصادي مثل آسيا التي أصبحت لها أجيال متتابعة من النمور الآسيوية.. فثاني أكبر اقتصاد هو الصيني وتنافس بقوة لتصل إلي الاقتصاد الأول والولاياتالمتحدة نفسها تدرك أهمية آسيا وأعد أوباما سياسة يطلق عليها سياسة الارتكاز علي آسيا وسيكون المحور في السياسة الأمريكية وليست أوروبا وهذا يعد ضمنياً اعترافا بأن آسيا هي القادمة والمستقبل. ونحن لسنا استثناء من هذه السياسات فعلينا تغيير سياستنا والاهتمام أكثر بآسيا دون إهمال مشاركتنا التقليدية سواء مع الاتحاد الأوروبي أو مع الولاياتالمتحدة ولكن لابد من بناء شراكات جديدة تتناسب مع التغير الدولي بشقيه السياسي والاقتصادي. * متي تلجأ الدول لإعادة هيكلة سياستها الخارجية؟! ** تلجأ الدول لإعادة هيكلة السياسة الخارجية لخدمة القضايا الوطنية والمصالح المحلية ومصر كانت لها تجربة بالفعل أيام السادات عندما غير البوصلة السياسية من الاتحاد السوفيتي إلي الولاياتالمتحدة وايضا تغيرت السياسة عندما كانت الحرب مع إسرائيل ثم تحولت إلي اتفاق سلام. وفي عهد مبارك حدث تغيير بسيط في السياسة الخارجية عندما أعاد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ومع العالم العربي. وكان تغيراً ملحوظاً. وهذا يتوقف علي رؤية الرئيس لكيفية إدارة السياسة الخارجية وكانت أبرز هذه التغييرات في عهد عبدالناصر عندما غير التحالف واتجه إلي الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية عندما رأي أن هذه الهيكلة تخدم مصلحة الوطن بعد رفض الغرب معاونته بالسلاح أو بناء السد العالي. وفي العصر الحالي قام الرئيس السيسي بإحداث تغيير يتواءم مع المصلحة الوطنية فعندما تولي السلطة كانت الولاياتالمتحدة تناصب مصر العداء وتعترف بالإخوان رغم أننا نعتبرهم جماعة إرهابية بل كانت تدعمهم وأوقفت المساعدات العسكرية وغير العسكرية لمصر في وقت حرب حقيقية ضد الإرهاب. وذلك يعني إضعاف قدرات الجيش المصري وبالتالي بدأت مصر تبحث عن شركاء يساعدوها في أزمتها. والاحتياجات والمصلحة كانت تفرض الاتجاه أكثر إلي روسياوالصين وغيره من الدول لتغيير بناء سياستها الخارجية.. وظهر ذلك ايضا في إعادة الرئيس للتعاون مع افريقيا بعد التراجع الذي حدث منذ 95 وبدأت العلاقات تسوء مع افريقيا كاملة وليس مع اثيوبيا فقط وانسحاب الدور المصري خلق فراغاً في افريقيا ملأته إسرائيل وإيران وتركياوقطر وغيرهم. وهذا تسبب في خسارة للسياسة المصرية ولكن بعد 30 يونيه بدأ الاهتمام الأكبر في افريقيا والتركيز علي استعادة الثقة بين مصر والدول الافريقية خاصة أنها هي التي أسست الاتحاد الافريقي وليس من المنطقي أن نكون خارج هذا الاتجاه وبالتالي أعاد الرئيس هيكلة السياسة الخارجية علي المستوي الدولي والافريقي والعربي.