في الذكري الأولي لرحيل الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر انشغلت المؤسسات الرسمية بأمور أخري ربما اعتبرتها حسب عبقريتها النادرة أهم من الاحتفاء بشاعر كبير ومثقف وطني صاحب مواقف محترمة زُج به. بسببها إلي المعتقلات. لكن ذلك لم يثنه عن مواقفه ولا عن مواصلة الكتابة التي تبشر بطلوع شمس جديدة. موظفاً فيها الكتابة السياسي في خدمة الجمالي وليس العكس. الجهة الوحيدة التي التفتت إلي هذه الذكري هي ورشة الزيتون كالعادة. تلك الورشة التي تعمل بلا أي إمكانات مادية وتعتمد المشاركة فيها علي التطوع. لتضع المؤسسة الرسمية في مأزق دائم وتؤكد أن الشعب يستطيع! المشرف علي الورشة الشاعر شعبان يوسف بدأ الاحتفالية بلوم المؤسسة الرسمية التي تجاهلت ذكري عفيفي مطر. وتساءل لماذا لا تقيم لجنة الشعر مؤتمراً عن عفيفي مطر أو ندوة موسعة. هل لأنه لم ينحن لأحد أو يمدح أحداً؟ شعبان يوسف أشار إلي أن عفيفي مطر كان يعترف دائماً بأنه جاء ليعترض. مؤكداً أن قبح المؤسسة الرسمية لا يجعلها تتسع لأي نوع من الجمال الذي كان مطر يمثله أفضل تمثيل. د.محمد عبدالمطلب قال إن بداية تعرفه علي عفيفي مطر كانت في بغداد أواسط الثمانينات. ووقتها قرأ ديوانه "أنت واحدها وهي أعضاؤك انتشرت" في ليلة واحدة. وفي الصباح ناقش عفيفي مطر في الديوان وعنوانه الغريب الذي اكتشف فيما بعد أنه مأخوذ من الإنجيل. لقد أعادت لغة عفيفي مطر كما أوضح د.عبدالمطلب الاعتبار إلي كلمات هجرتها الذاكرة لكنه أعاد إحياءها وتوظيفها في قصائده التي أقام بها منزلاً شعرياً يخصه وحده ولم يغادره. وحكي الروائي د.محمد المنسي قنديل ذكرياته مع عفيفي مطر واصفاً مكتبته بأنها كانت قاسية وتغلب عليها الأعمال الفلسفية والصوفية. وقال إنه يتعجب الآن عندما ينظر حوله فلا يجد عفيفي مطر الذي كان يتمتع بروح طفل رغم أن شكله كان يبدو صادماً. لكنه كان يشعر بمرارة شديدة لتجاهل النقاد لأعماله. مشيراً إلي أنه كان ينظر إلي مطر باعتباره واحداً من أعمدة الكون. وتحدثت الشاعرة د.سهير المصادفة عن معركتها مع د.سمير سرحان لنشر أعمال الشاعر الراحل في هيئة الكتاب ثم ألقت قصيدة لها كتبتها في وداع عفيفي مطر. الذكريات الحميمة كانت محور حديث الأديب سعيد الكفراوي الذي ربطته بعفيفي مطر علاقة وثيقة امتدت حوالي أربعين عاماً حيث حكي عن الكثير من المواقف في حياة الشاعر الراحل. وعن فترة اعتقاله وتعذيبه في سجن طرة. وقال إنه كان شريفاً ولم يكن خنوعاً. وكان يحلم دائماً بأن يموت فوق أكوام التراب في الغيطان. مادام لا يملك شرف الموت شهيداً. مؤكداً أنه في آخر مرة ذهب معه إلي الطبيب. وأخبره الطبيب بحالة مطر المتأخرة. قال له هذا الكلام من وراء عفيفي. لكن عفيفي قال له وهما في طريقهما إلي البيت "أنا خلاص مروح"! الاحتفالية التي حضرها عدد ليس كبيراً من محبي عفيفي مطر اختتمت بقراءة شعبان يوسف وجمال زكي مقار ويسري حسان لعدد من قصائد الشاعر الراحل الذي لم ينل حتي الآن ما يستحقه من تكريم في حين أن الأشباه يُحتفي بهم في كل مكان.