في مدينة الرحاب القاهرية حديقة مقامة خصيصاً لتلاقي العشاق من الكلاب.. يذهب إليها أبناء الطبقة "العليوي" مع كلابهم حيث يتاح فيها للكلاب أن تتعارف وتتزاوج للحفاظ علي السلالات. هذا ما أخبرتنا به جريدة "الأخبار" يوم الثلاثاء الماضي.. حيث نشرت صورتين للكلاب مع أصحابهم في الحديقة.. كما قصت علينا بعض حكايات العشق وكيف يجري التوفيق بين الكلبين.. فذكر الكلب يعرض عن الأنثي إذا لم تعجبه ويشعر بها.. وكذلك الأنثي تعبر عن رفضها للزوج بالضرب والعض.. ومثلما يقال عن البشر يقال عن الكلاب إن البحث عن النسب والأصل من شروط الزواج حتي لا ينتج عنه صغار غير أصحاء أو يعانون من أي أمراض. تقول الأخبار: هناك اهتمام غير عادي بنقاء السلالة بين الكلاب.. وقد يلجأ المربون والتجار إلي عمليات التلقيح الصناعي "طفل الأنابيب" عندما تكون هناك مشكلة في الزواج الطبيعي مثل شراسة الأنثي أو الذكر في أول زواج لهما أو معاناة أحدهما من أي مرض.. وتتراوح تكلفة عملية التلقيح الصناعي ما بين 250 إلي 300 جنيه.. ويتم قبل التلقيح فحص الكلبين للتأكد من خلوهما من الأمراض الوراثية ومتابعة الأنثي هرمونياً وعن طريق السونار لاختيار الوقت المناسب للتلقيح حتي تنتج صغاراً أصحاء لا يعانون من الأمراض الوراثية. معذرة للإطالة في النقل. أردت فقط أن تصلك عزيزي القارئ الرسالة التي وصلتني.. ربما تعتبر الموضوع مادة للسخرية.. أو مادة للتسلية.. لكنني أعتبره مادة جادة ذات دلالة مهمة في مجتمعنا الذي انقسم بالفعل.. ويزداد انقساماً يوماً بعد يوم دون أن تهتم الجهات المسئولة بالبحث عن السبل الكفيلة بتقريب الفوارق بين الطبقات.. الهوة أصبحت واسعة جداً. منذ أربعة أو خمسة عقود كان شاعرنا المرحوم أحمد فؤاد نجم يعبر عن هذا الانقسام المجتمعي بقوله: "همه بياكلوا حمام وفراخ.. واحنا الفول دوخنا وداخ".. أما اليوم فقد تجاوز الانقسام مسألة الأكل والشرب.. صار هناك مجتمع ومجتمع.. شعب وشعب.. بل لم يعد القياس بين نحن وهم.. بين بشر وبشر.. وإنما صارت المقارنة بين كلاب يتفسحون في حديقة خاصة مجهزة للعشق والتزاوج وبين أناس لا يجدون حجرة يبيتون فيها وماء نظيفاً يشربونه ورصيفاً ممهداً يسيرون عليه. كنا نشعر بالخطر من المقارنة بين مصريين يمتلكون طائرات خاصة لتنقلاتهم وآخرين يموتون من الزحام والتكدس في المواصلات العامة.. ومصريين يعيشون في الفيلات والقصور داخل الكومباوند المحاط بسور حديدي ضخم وآخرين لا يجدون شقة من غرفتين للسكني.. ومصريين لا يعرفون غير المدارس والمستشفيات الأجنبية والدولية التي تتعامل بالدولار وآخرين لا يعرفون غير المدارس والمستشفيات الحكومية التي لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي.. أما الآن فقد وصل الأمر إلي المقارنة بين رفاهية كلاب الرحاب وبؤس مواطني العشوائيات. الأمر جد لا هزل فيه.. ولابد من التحرك السريع نحو سياسات فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الطبقي وتقريب الفوارق بين المواطنين.. لابد أن يعود لهذا الوطن انسجامه حتي نشعر جميعاً بالأمن.. الأمن بمعناه الشامل.