لم تعد حواء عروساً حسناء تطل من نافذة قصرها. لقد صارت فلاحة تعمل في حقلها. ومهندسة وطبيبة ومدرسة وعالمة وباحثة وداعية ومفكرة وكاتبة.. ولكن تظل حواء في قرارة نفسها لا تعترف بنجاحها. ولا تعتبر نفسها ملكة عظيمة تتربع فوق عرشها إلا إذا كان بجوارها آدم. يحبها ويحترمها. ويصون حقوقها. ويساند وجودها. ويحمي شرفها. ويقدرها قدرها. بهذه الكلمات الصادقة استهلت القاصة د. ابتسام درويش مجموعة "اعترافات آدم وحواء". وأهمية هذه الكلمات تأتي من أن الكاتب.. امرأة. لعل المتأمل للإبداع الأدبي خاصة في مجال الرواية والقصة والشعر يلاحظ صعود ظاهرة شاعت تتمثل في تصدي المرأة - الأدبية والمبدعة - لمعالجة فن القصة والرواية. ويرجع انتشار هذه الظاهرة. وبروز اسماء نسائية كثيرة خاصة في مجالي القصة والرواية إلي انتشار تعليم المرأة في مختلف أنحاء العالم العربي مع التحرر من الاستعمار القديم. الذي كان يرزخ علي معظم البلاد العربية من ناحية. وخروج المرأة للعمل من ناحية ثانية وهو ما أدي إلي اتساع تجربتها الحياتية التي حازت تجربة الرجل. في اعترافات حواء وآدم تقدم ابتسام درويش عالماً تقوم فيه المرأة بأدوار كثيرة تواجه بها حياة قاسية في أكثر الأحوال.. أغلب هذه الاعترافات يظهر جلياً تأثير البيئة والطبقة والأعراف علي تصرفاتها.. ولكنها ليست أسيرة لهما.. ففي كثير من الأحيان نجدها ثائرة عليها. ذلك أن هموم المرأة فيها تقع في منطقة الصدام بين عالم المرأة وعالم الرجل. إن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة تتأثر في إطارها العام بتأثرات البيئة والطبقة الاجتماعية إلا أن الجانب الذي تركز عليه ابتسام درويش في هذه العلاقة هو الجانب الذي يحتفظ بقدر من الاستقلال في أي علاقة بين المرأة والرجل. ومهما تكن هذه العلاقة. إن لحظة الصدم بين المرأة والرجل هي المحرك الأساسي لسلوك كل منهما تجاه الآخر. والمفجر لشتي الانفعالات والمواقف. الرجل في "اعترافات حواء" يقف بعيداً عن المنظر.. محكوم عليه من وجهة نظر حواء. لا نسمع منه. ولا نعرف عنه إلا ما يخطر ببالها عنه. أو علي الأقل ما يقوله في حضورها.. وهذا بالطبع يكشف جزءاً من الحقيقة.. و"المرأة" في "اعترافات آدم" تراها من وجهة نظره عكس الأمر السابق تماماً. الحس الواقعي يغلف قصص هاتين المجموعتين القصصيتين. وأن يجئ ذلك من خلال "حواء" أي: ابتسام درويش فهذا يعتبر تجربة فريدة.. فهي تعبر عن إحساس المرأة.. والرجل في آن واحد. ولكن هل انحازت "حواء" أقصد "ابتسام" إلي المرأة في هاتين المجموعتين؟ أشك في ذلك.. أري أنها التزمت الحيدة في معالجتها للأنماط التي جاءت بها في هاتين المجموعتين.