أود قبل التحدث عن هذه المجموعة الشعرية التي بين أيدينا أن أعرض في إيجاز شديد لمشكلة كبيرة. وخطيرة يعاني منها معظم شعراء العامية في بلادنا. وفي الحقيقة لا أريد أن أغضب شعراء العامية. ولكن لا مناص من عرض المشكلة فقد أضحت جلية للجميع. بل نجدها متجسدة في الكثير من كتابات شعر العامية. فمعظم شعراء العامية عندنا يعانون من صور حاد في الثقافة بمعني أنهم لا يقرأون جيداً» أو بمعني أدق أن قراءاتهم تكاد تنحصر في النصوص العامية فقط» فتجد الشاعر منهم لا يقرأ الألوان الإبداعية الأخري» والتي هي ذات صلة وثيقة بتخصصه. بل هي من صميم تخصصه. وعليها يعتمد تكوينه الفني فهو لا يقرأ القصة» ولا يقرأ الرواية» ولا يقرأ المسرحية» ولا يقرأ حتي الشعر الفصيح» فما بالك بالمجالات الأخري التي ربما تكون بعيدة عن تخصصه. وهي غير بعيدة إن وعي وأدرك فلا اهتمام له بالتاريخ» أو الفلسفة» أو السياسة» أو التراجم» أو المترجمات» أو الموسيقي» أو السينما.. وغيرها. وهو أمر يحمل الكثير من الخزي فكيف لمبدع أو فنان أن يهمل في ثقافته» أو أني سقط القراءة من حساباته!! ربما يظنون أن شعر العامية سهل وقصير سلمه. ولا يحتاج إلا للفطرة» ولكنهم مخطئون فصعوبة العامية في سهولتها» وسهولتها في صعوبتها» وهي صعبة وسلمها طويل. وتحتاج للفطرة كما تحتاج للجهد. والعرق. والقراءة. إذن المشكلة تخص شعراء العامية. وليس شعر العامية كما تزعم الكتابات الندية والصحفية للكثير من النقاد. فالتجديد أمر بالغ الصعوبة في شعر العامية. وهذه نقطة أردت أن أوضحها آملاً أن تكون فيها استفادة» وكما قلت آنفاً لا أنتوي أن أغضب شعراء العامية» فليأخذوا بكلامي ان اقتنعوا به» وإن لم يقتنعوا فليرموه في أوسع بحر» وعندنا بالقطع بحران. وأما الشاعر السعيد المصري صاحب هذه المجموعة الشعرية "ناسي حاجة" الصادرة عن هيئة قصور الثقافة. والتي سنختصها بالحديث في هذه المساحة الضيقة فقد نجا بشكل ما من بين فكي هذه الإشكالية الجهنمية» فتناوله ولغته وأسلوبه» وأفكاره تقول كلها إنه قرأ» وأنه جربك وإنه اجتهد لتقديم شكل ربما يكون مغايراً للمألوف قد يكون أخطأ في بعض الأحيان» ولكنه وللحق قد أصاب في أحيان كثيرة. هو يقدم مجموعته في صورة قصيدة طويلة مقسمة إلي مقطوعات شعرية قصيرة ومكثفة وكثير عددها وقد يعتقد المتلقي للوهلة الأولي أن هذه المقطوعات لا رابط يربطها» ولا وشائج صلها ببعضها» ربما لأن الشاعر يطرح موضوعات غريبة وجريئة تتكيء علي إيقاع داخلي للقصيدة مبتعداً عن التقريرية والمباشرة التي تحمل بين طياتها الكثير من الوعظ والإرشاد» وهو الأمر الذي ينفر منه المتلقي كل النفور. يفتتح الشاعر مجموعته بعبارة شعرية لوديع سعادة تسبقها عبارة أخري فلسفية ل "يتسوس" والتي يقول فيها: "خلف أشياء بسيطة أخبيء نفسي لتجدني. وإذا لم تجدني ستجد الأشياء". وبهاتين العباريتن تتمحور قضية الشاعر التي ريد أن يطرحها في هذه المجموعة. والتي يعبر عنها عنوان المجموعة نفسه "ناسي حاجة". فهناك أشياء دائماً وأبداً ضائعة. وربما منسية. ولكننا إن لم نجد هذه الأشياء فسوف نجد ما يدل عليها. وسنلمح آثاراً بشرية مطبوعة علي أطلالها. من هنا يولي الشاعر شخوصه عناية فائقة فهم يتحركون كيفما يحلو لهم . ويضحكون ملء أفواههم. وأفئدتهم ويحزنون حتي آخر دموعهم. وهو في كل هذا يحاول جاهداً أن يستفيد من كل الفنون المتاحة وخصوصاً السينما والمسرح والتصوير. وقبلها جميعاً القصة القصيرة. فعنصر التشكيل البصري يبرز في معظم نصوصه. وأصداء الحوار المسرحي تتردد في جنبات إبداعه. وهنو أيضاً مصور حاذق يحمل الكاميرا سائراً في الأدغال والجبال والحقول والحواري. لكنه لا يلتقط أبداً إلا اللقطة العبقرية المعبرة. تابعت "سعيداً" في مجموعاته السابقة.. وسعدت به أيما سعادة. ولكن سعادتي تجاه هذه المجموعة أكبر لا لأنه متلك أدوات الكتابة أكثر من ذي قبل. ولكن لأنه جرب وتتطور. واجتهد. وواصل فكان أن خرج من الدائرة الحرجة التي وقع فيها الكثير من شعراء العامية. صحيح أن كبوة ما أصابته في بعض المواضع. وذلك فيما يختص بالفكرة والمضمون اللذين جاءا في بعض الأحيان عاديين مستهلكين لا يضيقان شيئاً. ولكنني واثق بأنه سيسفيق سريعاً من كبوته.