البناء المخالف في الإسكندرية قضية استهلكت صحفيا وإعلاميا وبحثا علي طاولات الوزراء والمحافظين لكيفية التصدي لمنع انتشار هذه الظاهرة وكأنه مرض سرطاني خبيث تم اكتشافه في جسد المريض متأخرا. عجزت الدولة بكامل أجهزتها عن التصدي لوقف تغلغله داخل حواري وأزقة المدينة ولا تفيق منها إلا علي الكوارث والأزمات. وكادت حالة الركود التي أصابت سوق العقارات في مقتل أن تكون بمثابة الحل الرباني للقضاء علي هوجة البناء المخالف إلا ان حيل المقاولين والرغبة المستميتة في استغلال حالة الفوضي التي تعصف بالجهاز التنفيذي للمحافظة حالا دون ذلك بعد أن عادوا بالزمن إلي العصور الوسطي ولجأوا إلي التعامل بنظام المقايضة للتغلب علي تجمد حركة البيع والشراء وراحوا يتبادلون المؤن بالشقق مع كبار وصغار تجار مواد البناء كالحديد والأسمنت والسيراميك والطوب والأدوات الصحية والكهربائية بأسعار أرخص بكثير من القيمة الشرائية المثمنة لهذه الشقق وعرف الاسم الحركي لهذه العملية في السوق بين الطرفين باسم "الشقق المحروقة" وأوجد هذا النظام تجارة جديدة وتجار جدد أطلق عليهم "تجار الشقق المحروقة" معروفين بين المقاولين ويلجأون إليهم أيضاً في حالة الركود. كل تلك الحيل لجأ للالتزام بنظام المشاركة فيما بينهم وملاك الأرض. كل ذلك لإنجاز عقاراتهم المخالفة في وقت قياسي قبل نوبة صحيان تصيب المسئولين يقرروا خلالها شن حملات إزالة تستهدف عقاراتهم قبل تشطيبها وتسكينها. قال عمر.ش.س أحد المقاولين المخالفين بمنطقة سيدي بشر ان حالة الركود التي يعاني منها السوق العقاري أصابت تجار مواد البناء بالطمع والجشع وباتوا يستغلون حالة نقص الأموال ويطلبون قيمة المؤن فلوس كاش أو شققا بنصف الثمن مقابل تكملة امداد العقار بمواد البناء مما يجبرنا للرضوخ لطلباتهم لإنجاز البناء خوفا من تعرض العقار لحملات الإزالة قبل تشطيبه وتسكينه وأضاف عمر ان المقاول يضحي في عدد معين من الشقق سواء لتجار المواد أو لتجار الشقق ليفوز بعدد لا بأس به من الشقق التي ستباع عاجلا أم آجلا وتكون رصيدا ماليا للمقاول يدخره للأيام المقبلة. فيما أشار فايز عياد تاجر حديد بمنطقة المندرة بأن نظام المقايضة يتم مع المقاولين لأن التاجر ملتزم ببيع حصته الشهرية من حيث الكمية وعدد الأطنان ويلجأ لتصريف حصته للمقاولين نظير شقق في العقارات في حالة عدم السداد كاش وخوفا من المماطلة والنصب التي يتعرض لها التجار من قبل المقاولين وحول مدي الجدوي من هذا النظام أكد عياد ان شراء الشقق في العقار أثناء مرحلة البناء تكون أرخص بكثير قبل تشطيبه وتوصيله بالمرافق والخدمات والفترة بين البناء والتشطيب يعتبرها التجار كمرحلة تسقيع لهذه الشقق وتعود بربح كبير بخلاف الربح في الحديد. وللوقوف علي كيفية خروج الإسكندرية من هذه الأزمة استطلعت "المساء" آراء عدد من الخبراء والمسئولين لإيجاد سبل القضاء علي هذه الظاهرة التي شوهت النسق الحضاري للمدينة. أكد اللواء طارق المهدي محافظ الاسكندرية ان الاسكندرية بها مزيد علي 27 ألف عقار مخالف وهذا الرقم قابل للزيادة تحتاج عشرات السنين وميزانية ضخمة لإزالتها وبالرغم من ذلك بدأنا تنفيذ العديد من قرارات الإزالة ولن نسمح باختراق وتحدي القانون ولكننا في حاجة إلي تشريعات جديدة وسد الثغرات في القوانين الموجودة فهناك عقوبة للبناء المخالف تصل إلي 5 سنوات سجناً ولكن معظم من يقومون بالبناء يفلتون من تنفيذها حتي الكاحول ومع ذلك هناك عدة لجان هندسية لمعاينة العقارات المخالفة وفحصها وبيان مدي سلامتها للبت في أمرها سواء بتوفيق أوضاعها طبقاً للقانون أو بإزالة ما يهدد حياة المواطنين. بينما أكد المهندس الاستشاري محمد جلال ان مخالفات البناء بلغ عددها 36 ألف مخالفة في عام 2012 ثم تحرك هذا الرقم بالزيادة ليصل إلي 45 ألف عقار مخالف تضم مئات الآلاف من الشقق السكنية مشيرا إلي أن هذه الفترة تعاقب علي الاسكندرية ثلاثة محافظين وهم عطا عباس والدكتور أسامة الفولي وأخيرا اللواء طارق المهدي عجزوا جميعا عن التصدي لهذه الظاهرة واكتفوا بالشو الإعلامي كل منهم قام بهدم عقار وسط ضجة إعلامية دون وضع خطة منهجية للتصدي لهذه العقارات. ولفت جلال إلي وجود قرار بعدم توصيل المرافق وعدادات الكهرباء والمياه إلي العقارات المخالفة لكن للأسف كل الأحياء والمحليات تضرب بالقرار عرض الحائط وينتهك القانون من أجل مصالح شخصية. حذر من استمرار التعدي علي القصور والمباني الأثرية في المحافظة خاصة المدونة بالمجلد وكان آخرها فيلا موجودة بمواجهة استراحة المحافظ وتم هدمها ليلاً في 3 ساعات. أضاف ان مشكلة العقارات المخالفة لا تتوقف علي الارتفاعات فقط ولكن تتعدي ذلك إلي مخالفة المقاييس الدولية فالعقار المكون من 20 طابقاً يتم بناءه في شهرين أو ثلاثة دون مراعاة أي اشتراطات. أكد ضرورة القضاء علي ظاهرة الكاحول الذي يستتر خلفه أباطرة البناء المخالف وعادة ما يكون شخصا متوفي أو مسجل خطر. من جانبه قال محمود مخيمر رئيس شعبة البناء بالغرفة التجارية بالاسكندرية ان علي الدولة تشكيل لجان هندسية من عدة جهات لفحص سلامة هذه العقارات وتوفيق أوضاع الصالح منها وهدم ما يهدد حياة الأهالي لزن هدمها جميعا يحتاج مليارات الجنيهات. أضاف مخيمر: يجب أن تضع الدولة في الاعتبار انه لولا رواج سوق العقارات في الاسكندرية عقب الثورة لحدث ما لا يحمد عقباه لأن بناء العقارات استوعب آلاف العمال وفتح لهم بيوتهم ولولا ذلك لحدثت مجاعة بين هذه الفئات. يقول علاء الدين السيد أحد أصحاب شركات التشييد والبناء ان نسبة المقاولين المخالفين الذين يقومون ببناء عقارات وهم أصحاب سجلات تجارية وخاضعون للضرائب ومسجلون بالاتحاد المصري للتشييد والبناء لا يتجاوز 1% فمعظم العقارات المخالفة خاصة المخالفة لاشتراطات المواصفات القياسية يقوم بها دخلاء علي المهنة وبالنسبة لأسباب انتشار ظاهرة العقارات المخالفة في الاسكندرية يؤكد علاء الدين ان فساد المحليات وتباطؤ عملية استخراج التراخيص تأتي في المقام الأول فلا يعقل أن تمتد فترة استخراج الرخصة لأكثر من عام ونصف ومن المفروض أن يتم انجازها في 45 يوما فقط .