كثيرًا ما تعرض التراث الإسلامي للهجوم والطعن فيه. سواء كان ذلك ممن ينتمون إليه أو من خلال أقلام المستشرقين أو أعداء الدين الذين يريدون الطعن فيه والنيل من ثوابته. وتمثلت القضية الكبري للتراث الإسلامي في أنه كان بين تحديين عظيمين. هما الفهم والانغلاق في التعامل معه. فالأمر الأول تمثل في ضرورة فهم التراث الإسلامي وقراءة ما جاء فيه قراءة متأنية وواعية واستقصائية لاستخلاص ما من شأنه بيان صحيح الدين للمسلمين وكيفية تطبيقه علي أرض الواقع. أما الأمر الثاني فمرتبط بالانغلاق وعدم فهم التراث. ومحاولة فهمه كمبرر لأفعال تتنافي وطبيعة الإسلام السمحة. فذهب أصحاب هذا الاتجاه إلي تبرير أفعالهم الإجرامية استنادًا إلي نصوص تراثية انتقائية. والبعض الآخر استند إلي بعض هذه النصوص الانتقائية وقطعها عن سياقاتها ليطعن في الكل. وبفهمه الخاطئ والمنغلق لهذه النصوص ترتب عليه مفاسد عظيمة، مما يجعل الحاجة تتنامي لضرورة وضع آلية نستطيع من خلالها التعامل مع التراث الإسلامي وفهمه فهماً صحيحًا. وحتي لا نقع فيما وقع فيه البعض من الانغلاق والفهم الخاطئ للتراث واجتزاء مسائل من فترات زمنية ربما تكون تأثرت بواقعها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتحتاج إلي استشراف ما وراءها. الأمر الذي يحتم علينا أن نوجِد آلية للتعامل مع تراثنا الإسلامي. لفهم مناهجه وقواعده وطرق فهمه. عسي أن يكون ذلك جسرًا ممتدا يمكننا من إدراك عقلية السلف والاستفادة من مناهجهم وتفعيلها. وذلك بقراءة النصوص قراءة واعية دقيقة وفهم ما وراءها. حتي لا نخطئ الفهم فنصل إلي مناهج مرفوضة في التعامل مع التراث الإسلامي التليد. أو نقع في مشكلة اجترار الماضي واستحضاره في زمننا الحاضر دون وعي أو حاجة. أو نرفضه جملة واحدة. فيضيع علينا خير كثير. وخبرة هائلة لأولئك السابقين من الأعلام الذين أنفقوا الجهد والصحة والعمر في سبيل هذا التراث الضخم. أو نصاب بداء الانتقاء العشوائي في غير منهج. كل هذا يُعد أمرًا غير مقبول علي المستوي العقلي والمستوي العلمي. كما أن من الأشياء التي يجب التأكيد عليها في سوء فهم التراث والتعامل معه. هو أن نتعامل معه التعامل الذي يقف عند وسائل التراث ومسائله دون مناهجه. فيغيب عن التعامل المنهجي الحاكم لتلك الجزئيات. ولا يمكن مع هذه الحال توليد المناهج العلمية ولا استعمالها ولا إكمالها ولا نقدها وما شابه. كما لا يمكن مع ذلك إنشاء العلوم التي تخدم محور النص الشريف الذي هو محور الحضارة. إن التفكير بهذه الطريقة يختزل القضية. ويجعل التراث بظرفه التاريخي ونسبيته حاكمًا علي عصر غير عصره وأناس غير أناسه مما يترتب عليه كثير من المشكلات والتناقضات. ويمثل هذا التفكير عائقًا لإحياء مآثر السلف الصالح وقدرتهم علي تطبيق الشريعة في عصورهم وقبول الناس قبولاً عامًّا لمقتضيات الإيمان.