أفلام الرسوم المتحركة باتت تتسع لكل أنواع الموضوعات دون استثناء. وصارت صناعة ضخمة ومتقدمة جداً مع تطور التكنولوجيا وامكانيات الكمبيوتر غير المحدودة في إنتاج الصور الأكثر إبهاراً وجذباً لكل الأعمار. مهرجان القاهرة في دورته الحالية أتاح للجمهور فرصة مشاهدة تجارب جيدة من هذه النوعية مثل فيلم "جزيرة جيوفاني" Giovany Island وهو فيلم ياباني حصل علي العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية هذا العام. قصة الفيلم تدور حول حكاية طفل وشقيقه يعيشان في جزيرة يابانية بعيدة جداً ومعزولة لم تتعرض لويلات الحرب العالمية الثانية ولم يعاني أهلها من بشاعتها.. ولكن وبعد استسلام اليابان وانتهاء أصوات المدافع عام 1945 توقع سكان الجزيرة الصغيرة أن يأتي الأمريكيون ويقوموا بالاستيلاء علي الجزيرة التي يعيش أهلها علي مهنة الصيد. ولكن جاء بدلاً منهم الجنود الروس واستولوا علي المكان وغيروا حياة السكان. ورغم صعوبة الموضوع وتعقيده إلا أن الفيلم بالنظر إلي كم الجوائز التي فاز بها استطاع أن ينفذ إلي قلوب المشاهدين وأن يفتح أمامهم طاقة سحرية لحدث كارثي عاشه العالم منذ سبعين عاماً وآثاره المدمرة مازالت حاضرة في ضمير ووجدان الضمير العالمي. يقدم الفيلم هذه الكارثة في مزيج جميل من الواقعية والخيال الطفولي صفحة من الفصول غير المعروفة في تاريخ الشعب الياباني وما أحدثته الحرب من زاوية لم يقترب منها أحد. الحكاية يرويها صبيان أجبرا علي الرحيل من موطنهم الصغير الذي لم يعرفا سواه حين هبط علي المكان جنود الجيش الروسي. وفعلوا في السكان ما فعلوه. الأسلوب السردي الجذاب. والألوان البديعة والخطوط التي شكلت شخصية الصغيرين يصور هذه القضية المعقدة سياسياً وتاريخياً علي نحو مفهوم بالنسبة للأجيال الأصغر التي لم تعايش الحرب. وأن تجعلهم يتوحدون مع محنتهما ويتفهموها ويستمتعوا بأسلوب السرد. والفيلم عن رواية معروفة بالنسبة لتلاميذ المدارس هناك عالجها المخرج الياباني ميزهو نشيكوبو بأسلوب جذاب يثير الخيال ومشاعر الحنين وايضا الرفض للدمار والخسارة التي تسببها الحروب. شخصيات الفيلم الرئيسية مستوحاة من أطفال حقيقيين عاشوا فوق الجزيرة البعيدة وكذلك الأحداث اعتمدت علي ما جري بالفعل دون تزييف مما أكسب الفيلم تأثيره وأوصل رسالته. ليس من المعتاد أن تعالج أفلام الرسوم أحداثاً تاريخية معقدة وتصور الاحتلال والترحيل ومعسكرات الاعتقال وأن تدمج ذلك في مسارها السردي عبر شخصيات مأخوذة من الواقع والجزيرة التي تتم فيها الأحداث. الفيلم يخاطب مرحلة سنية وبنفس المهارة يتجه إلي جمهور الكبار ويؤثر فيهم. أستاذة جامعية من المتابعين للمهرجان رشحت لي الفيلم ونبهتني لأهميته.. قالت إنه بالرغم من الرسوم والأجواء الطفولية إلا أنني لم استطع أن أمنع دموعي.