أصل الداء هو ما نعته عبدالرحمن الكواكبي بالاستبداد السياسي.. لقد عشنا هذا الداء منذ قرون حتي ادي بنا في الثلاثين سنة الأخيرة إلي قاع الانحطاط. في المقدمة التي كتبها الدكتور محمد لطفي اليوسفي الاستاذ في جامعة قطر لكتاب "طبائع الاستبداد" وهو الكتاب الذي وصلني مجانا مع مجلة الدوحة "عدد يونية". كتب يقول: شهيدا رحل عبدالرحمن الكواكبي عن الدنيا.. نذر حياته للاسهام في الحركة الاصلاحية العربية وفضح المستبدين وفعالهم.. لم يكن قد تخطي بعد الثامنة والأربعين من عمره حين تحركت آلة العقاب فدست له السم في فنجان قهوة. غير ان منازلة الكواكبي للمستبدين العرب لم تنته برحيله فلقد ترك بين ايدي الاجيال العربية المتعطشة للتحرر من منبر الاستبداد كتاب طبائع الاستبداد.. وهو كتاب يضعنا في حضرة صورة المستبد الذي يجمع إلي الغدر والخسة والفظاظة. الرغبة العاتية في ابادة كل مغاير ومخالف ومنشق.. انها صورة عارية كالفضيحة. ليست مصادفة بالقطع ان يختار القائمون علي هذه المجلة العربية المحترمة كتاب "طبائع الاستبداد" كهدية ملحقة بالعدد علما بأن العدد كله في ثوبه الجديد يعد هدية بديعة تثري مدارك القاريء وتقوي وعيه وتمنحه حصانة عقلية ضد مستبديه خصوصا وان القراء العرب في بلدانهم العربية قد بدءوا بالفعل ثوراتهم ضد المستبدين. وعلي رأي الدكتور "اليوسفي" المثقفون يظلون أخطر شريحة اجتماعية توظف نفسها في خدمة المستبد فما من مستبد في ديار العرب إلا وله بطانة من المثقفين تسبح بحمده. والمستبد انما يوظف المثقفين لاعتقاده ان العديد من المثقفين هم سدنة الاستبداد وخدمه في كل الازمنة والامصار. ذلك ان المستبد في نظر الكواكبي. شخص يجمع إلي الغفلة والجهل والخسة. وإلي الحيلة المكر والخديعة! والكواكبي لا يدين هذا الصنف من المثقفين السدنة فحسب. بل يخرجهم من دائرة المثقفين الفضلاء ويرمي بهم في دائرة الجهال والخبثاء المرائين. ثمة بون شاسع بين المثقف الحقيقي والمثقف الزائف الذي يتحول إلي مخبر وخادم يسير في ركاب السلطة الجائرة مدججا بالضغينة. وبين المثقف المنشق الذي يحافظ علي شرف الاسم والمثقف الذي يرضي بدور العبد ويلطخ الاسم بعار لا يطفئه الدهر كله. والفكر الذي يلحقه بزمرة المخبرين والشرطة وسدنة السلطات المستبدة. تري كم نسبة المثقفين العرب الذين ساندوا الاستبداد والمستبدين. وكم منهم انشق علي الطاغية المستبد وفضحه؟!