كان الاكتشاف صادماً.. أن يظهر بين الأحزاب الممثلة في البرلمان الليبي حزب شرعي باسم "الحزب الفيدرالي".. والرسالة واضحة.. الحزب معترف به.. وهو ما يعني أن الفيدرالية في ليبيا الجديدة صارت مشروعاً سياسياً.. وصار لها حزب يدعو إليها ويدافع عنها ويجري انتخابه تحت لافتتها. وكلنا يعرف أن الفيدرالية أعزكم الله هي أول خطوة علي طريق تقسيم الدول.. وتهدف إلي تفكيك أواصر الدولة المركزية إلي أقاليم شبه مستقلة.. لكل منها حكومة وميزانية وبرلمان محلي وقوانين وموارد وشرطة وقضاء.. وهذه الأقاليم ترتبط مع الدولة في السلطات المركزية : الرئيس والحكومة الفيدرالية والبرلمان الفيدرالي ووزارتي الدفاع والخارجية. وإذا كانت الفيدرالية قد نجحت في بعض الدول الغربية المتقدمة والمستقرة سياسياً وديمقراطياً ألمانيا وكندا علي سبيل المثال فإن تجربتنا العربية مع هذه الفيدرالية في غاية السوء.. ويكفي أن نعرف أن أمريكا بدأت مخطط تمزيق العراق بتقسيمه إلي 3 أقاليم فيدرالية.. شيعة في الجنوب وسُنة في الوسط وأكراد في الشمال.. والآن لم يعد هناك حديث عن العراق والعراقيين كشعب.. وإنما الحديث عن الشيعة والسُنة والأكراد واليزيديين وغيرهم.. وأول خطوة اتخذتها ألمانيا ضد داعش كانت بتزويد البشمركة "القوات النظامية الكردية" بالسلاح.. قبل أي حديث عن تسليح الجيش العراقي نفسه بالسلاح.. بينما تقوم إيران علي تسليح الشيعة في الجنوب.. وتقوم دول سُنية أخري طبقاً لما هو شائع من أخبار بتسليح أهل السُنة في بغداد وما جاورها. وتقسيم السودان بدأ بلعبة الفيدرالية.. واليمن في الطرق.. ثم ليبيا التي صارت مقسمة فعلاً علي أرض الواقع بين جماعات طائفية وقبلية ومذهبية متناحرة. والحقيقة أن الفيدرالية تقدم إلينا كعلاج للصراعات الطائفية والعرقية والسياسية منذ أن عقد المؤتمر الأول للأقليات في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.. وهو المؤتمر الذي دعا إليه د. سعدالدين إبراهيم برعاية غربية ولم يجد دولة عربية تستضيفه فعقد في قبرص.. ونجح المخطط منذ ذلك الحين في إحداث الفتن المطلوبة مستغلاً التناقضات والاختلافات الموجودة في المجتمعات العربية لإشعال صراع الاقليات أيا كان نوعها. وظهر جلياً أن المقصود من هذه الفيدرالية الملعونة تفتيت المنطقة العربية إلي دويلات ضعيفة ومتناحرة.. يسهل السيطرة عليها.. والخوف كل الخوف أن تسير الشقيقة ليبيا علي درب العراق كما هو معلن الآن من خلال تطبيق نظام فيدرالي يفصل شرق ليبيا عن غربها ويمنحه حكماً ذاتياً. وإذا حدث هذا لا قدر الله فإنه سيفتح أمام الليبيين باباً للصراع والتناحر لن يغلق.. ليس فقط بسبب الصراعات الأيديولوجية وصراعات الحدود.. ولكن أيضاً من أجل السيطرة علي الموارد بين المناطق الغنية بالبترول والأخري التي لا تتمتع بنفس الميزة.. والتجربة أمامنا واضحة في السودان.. فانفصال الجنوب الغني بالبترول لم يحل دون استمرار النزاع مع الشمال ليستمر نزيف الدماء. والنتيجة أن الفيدرالية الملعونة لم تحل المشكلة بل زادتها تعقيداً بعد أن شطرت البلد الواحد إلي شطرين وجعلت الشعب الواحد شعبين.