حفل فرقة المولوية المصرية الذي أقيم في إطار مهرجان القلعة الذي يختتم حفلاته اليوم كانت من العروض الناجحة فنياً وجماهيرياً حيث جاءت مناسبة لهذا المكان الساحر المفتوح كما أنها كانت اللمحة الشعبية الأصيلة التي زينت لياليه.. والمولوية أحد الطرق الصوفية السنية مؤسسها الشيخ جلال الدين الرومي 1207ه - 1272ه وهو أفغاني الأصل والمولد. عاش معظم حياته في مدينة قونية التركية. وقام بزيارات إلي دمشق وبغداد.. وهو ناظم معظم الأشعار التي تنشد في حلقة الذكر المولوية التي اشتهرت بما يعرف بالرقص الدائري لمدة ساعات طويلة. حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ. ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترقي بنفوسهم إلي مرتبة الصفاء الروحي ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي ويأخذهم إلي الوجود الإلهي كما يرون وقد دخلت إلي مصر مع الاحتلال العثماني. ولكن كطبيعة بلدنا في دمج الغريب وجعله يدخل في نسيج المجتمع أصبح هناك صورة مصرية للمولوية وهذا ما يؤكد عليه الفنان والباحث عامر التوني الذي توصل إلي أن المصريين القدماء أول من عرف الرقص الدائري وربطه بالديانة وأن رقصة التنورة التي ارتبطت بالزار الشعبي وأخذت شكلا ترفيهياً في الموالد هي الجانب الذي أبتدعه المصريون وبقي في ذاكرتهم الحية ولهذا أدخلها في عروضه ليردها لأصلها الصوفي. عامر التوني منشد ومداح للرسول - صلي الله عليه وسلم - وباحث أكاديمي أسس فرقته عام 1994 علي خلفية الفكر الأصلي للمولوية مع إضافة رؤيته الخاصة القائمة علي نتائج أبحاثه العلمية والتي تؤكد الهوية المصرية.. وتقديم المولوية في عروض ليست جديدة حيث يقدمه الأتراك وسبق للجمهور المصري أن شاهد أحد عروضهم في المسرح الكبير بدار الأوبرا وفرقهم تقدم العرض كطقس صوفي حيث يعتمد في الموسيقي علي آلة الناي وأحيانا تشارك آلة القانون ثم يدخل الراقصون يرتدون عباءة سوداء ويبدأون في الدوران ثم تسقط منهم لتظهر الملابس البيضاء التي ترمز للكفن ويرتدون طربوشاً طويلا بنياً يرمز لشاهد القبر والأشعار التي ينشدونها تميل للحزن. وصف الفرقة والفرقة كما رأيتها علي مسرح المحكي بالقلعة تتكون من سبعة عازفين يصعدون أولا علي المسرح بملابس بيضاء وهم سيد الشرقاوي وشحته وهشام والثلاثة عازفو إيقاع يجلسون علي اليمين ومن اليسار يجلس عازف الكولة محمد فايد ويليه عازف القانون محمود ثم عازف العود سيد العربي ويتوسط هؤلاء جميعاً عازف التشيللو تامر ثم يصعد خمسة راقصين أربعة منهم يرتدون الملابس البيضاء ويتوسطهم راقص بملابس حمراء يرمز للشمس التي تنير الكون والجميع يضعون الكف الأيسر علي أعلي يمين الصدر رمزاً للقلب الذي يذوب في حب الله ثم يدخل عامر التوني يرتدي الملابس البيضاء الفضفاضة عاري القدمين كأنه يستعد للصلاة مما أعطي إيحاء للمتلقي أنه يشاهد الطقس المولوي الصوفي ثم يلقي أشعاره بطريقة الموال المصري ويصاحبه عزف علي آلة الكولة. ويبدأ الراقصون في الحركة الدائرية الهادئة ومع الدوران كانت هناك حركات رمزية باليد والكفين والأصابع والتي ترتبط بالكلام وتعبر عنه ثمه يدخل الإيقاع بآلاته "الطبلة والدف" ويشتد مع نغمات العود والقانون والتشيللو بصوته الوتري الغليظ يعطي عمقاً للموسيقي ويحدث توازنا في النغمات بين الحاد والغليظ لترتفع نغمات الصوت الفردي وينشد التوني أشعارا من التراث تعبر عن التصوف ولكن الإبداع المصري يتضح حيث هناك تأثر واضح بالطرق الصوفية المختلفة التي أتت إلي مصر وأستوطنت بها وامتزجت بالنسيج المصري لنقدم أشكالا جديدة خاصة بها ويقدمها عامر التوني بصوت جميل شجي يصل بسهولة للنغمات العالية وقد استمتع الجمهور بقصائد يامليح قد تجلي والله ماطلعت شمس ولا غربت وشربنا علي ذكر الحبيب واوصيتموه لا يبوح بسركم. رقصة التنورة والعرض كما شاهدته أنقسم إلي فاصلين الأول اعتمد علي الرقص المولوي والذي يعتمد كثيراً علي مفردات الفلسفة المولوية ورمزيتها ولكن مع اشعار تعطي تفاؤلا ورغم أن معظم المشاهدين لا يفهمون فلسفة هذه الرقصات ودلالاتها إلا أنهم كانوا يستمتعون ويشجعون الراقصين ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كانوا يصفقون ويتمايلون مع الإيقاعات.. وعقب القسم الأول كان هناك فاصل من المدائح النبوية التي يؤديها التوني بمصاحبة الفرقة الموسيقية وكانت كاستهلال ومقدمة للفاصل الثاني الذي يدخل فيه الراقصون يرتدون جونلة التنورة ليبدأ فاصل يعود بك لجو الموالد المصرية التي تميل للفرح والبهجة وهنا اقتصرت الأشعار علي مديح رسول الله - صلي الله عليه وسلم - التي يرقص عليها راقصو التنورة هذه الرقصة التي ارتبطت بمصر وتمثل إبداعاً مصرياً ودلالة علي الهوية ولكن يسعي عامر التوني إلي ردها لأصولها المرتبطة بالفلسفة كما سبق أن ذكرت ولكن هنا شاهدنا الراقصة التقليدية والتي تعتمد علي الدوران بالجونلات المزركشة ولم أشاهد بصمة للتوني عليها توضح الامتزاج بين المولوية المصرية والأصلية أو اضافة إبداع جديد للتصميم الحركي يجعل هناك خصوصية لفرقته بدلا من الاحساس بأنه استعار فرقة أخري متخصصة في التنورة لتشارك في العرض الذي اختتم بشكل مبهج لكن اعتقد أن هذا جاء متعمداً لطبيعة جمهور هذا المهرجان المجاني والذي يقصد به أهالي منطقة القلعة التي تحتضن موالد الطرق الصوفية لأن التسجيلات التي شاهدتها لحفلات الفرقة اعتمدت علي الرقص المولوي بطقوسه كما تضمن برنامجها الكثير من الأشعار الخاصة بالفلسفة المولوية. وأخيراً العرض جميل وفكرة المولوية المصرية جيدة خاصة أن لدينا الراقصون الذين يجيدون أدائها ولكن تحتاج مجهوداً دائماً من عامر التوني للبحث من أجل الابتكار والإبداع وأن يستعين بمنشدين آخرين بطبقات صوتية مختلفة ليعطي تنوعا للعروض ولتكوين كوادر من المنشدين في هذا المضمار أيضا يجب أن يكون هناك حرص علي أن يكون هناك كتيب يوضح فقرات البرنامج وتكتب فيه بعض الاشعار وبعض الشروح حول رموز المولوية وأن تغلب علي الألحان الخشوع والتي نفتقده بشكل عام في أغانينا الدينية والتي في الغالب تجد الكلمات تختلف دائما عن الموسيقي.. ولكن رغم هذه الأمنيات العرض جاء مرضيا ويمثل شكلا جديداً للمدائح النبوية تتضح فيه بجلاء الهوية المصرية.