كان يحمل علي وجهه الأسمر امارات الطفولة في الأوقات العصيبة كان القمر يسقط علي محياه ليضيء جنبات الوجه والقلوب الخضراء المحيطة به تضحك من الداخل. يسقطون من حساباتهم تلك السخافات حين أتي للمرة الأولي كان يمشي علي استحياء حاملا ابتسامة ناصعة ظلت تلازمه طوال حياته بين يديه أوراق كثيرة تنبض. رمقته العيون استعرض البعض العضلات في قراءة الأوراق قالوا: لا يصلح عليه أن يبحث عن لقمة العيش في مكان آخر لا أمل! لكن أحدهم وكان رحيما به قال: موهبة الرب لم تصبه لكننا لا نملك حق الطرد فالساحة بها ما هو أشنع مما في حوزته. هذا الطائر القبيح المزري الذي يسمي الضيق طار فجأة ليستقر في أعماق صدري فانسدلت رموش وجهي لعلها تخفي امتعاضا فأنا لا أزال قطعة من عجين لم يتم تشكيلها بعد. قلت لنفسي: ماذا بوسعي أن أقول وأنا لا أزال طرياً لم أملك ناصية الرد والدفاع عنه؟ قلت أيضاً: سيذهب ولن يعود كما ذهب غيره وذهب.. لكنه عاد كان الوجه الأسمر يشع نورا وابتسامته الرائعة يتم توزيعها بيننا بالتساوي والدوسيه الأخضر يحوي هويته أرسلت إليه نظراتي الحانية وقلت "لقد عاد المسكين" أومأ لي برأسه قام وصافحني. قالوا: لا يملك مفاتيح الكلام فأصر علي امتلاكها ضحكوا عليه فرد عليهم بابتسامة وضيئة وقصيدة من الشعر زعموا ان الدوسيه الأخضر سيختفي ولن يظهر لكنه امتلأ بأوراقه العطرة وأحلامه المدهشة رموه بالحجارة المدببة فكان رده الصمت. في غرفته الصغيرة شبه المظلمة كان يتربع فوق السرير. آهات وآلام وأوجاع تتحول إلي أجساد حية تقفز فوق السطور يمزق الأوراق يغوص في أعماق الألم يستعذبه يعيد استخراجه مرة أخري تنفرج القصيدة وتنطلق القصة يمد يده أسفل السرير يلتقط كتابا جديدا يتكور في براعة داخل الكتاب.. يتسلل بين السطور يذوب عشقا يذرف الدمعات يضحك كطفل يجري يطير نحو كوكب النور.. أمه تلتصق بالجدار لا تنطق .. تعلم طقوسه.. تتأمل صورته بجلبابها الأسود القديم تجلس أمام الموقد تصنع له الشاي تتذكر أباه الذي مات فجأة يمسك بالقلم يرسم بالكلمات صورة لأبيه الذي لم يره يهز رأسه ويتمتم بكلمات ربما آيات من القرآن أو شيء من الدعوات.. احك لي أيتها الأم الطيبة. حاولي استعادة الماضي لألبسه ثوب الحياة. في الشارع كان يحمل الأزهار يقوم بتوزيعها علي الأطفال يحكي لهم عن القمر والأنهار والعصافير التي تسافر للسماء.. يلتفون من حوله. يعلمهم فن الرجولة وعشق الوطن يرسم لهم ملامح الأعداء وكيف يكون النصر.