يؤكد البروفيسور جاسون براونلي في كتابه "تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي المصري" أنه منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بدأت حقبة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين مصر والولاياتالمتحدة.. وظلت العلاقات الأمريكية المصرية علي المستوي الرسمي طوال الوقت في صراع مع الرأي العام المحلي في مصر.. وبدلاً من تعزيز قدر بسيط من الديمقراطية في مصر قام المسئولون الأمريكيون والمصريون بتدعيم أركان الدولة الأمنية المستبدة التي تخدم فقط نظاماً إقليمياً تقوده الولاياتالمتحدة يقوم علي حماية أمن إسرائيل وتعزيز النفوذ الأمريكي في الخليج.. وقد اتبعت الولاياتالمتحدة مع النظام في مصر استراتيجية رعاية الاستبداد تحت عباءة السيطرة الليبرالية إلي الدرجة التي تجعلنا نؤكد أن العالم لم يشهد نظاماً ديكتاتورياً أكثر التصاقاً.. بل وأكثر مساندة من الجانب الأمريكي.. من النظام الحاكم في مصر. يقول براونلي إن مبارك بدأ فترة حكمه باتباع سياسة خارجية تتسم بالحذر حيث تعاون مع الإدارة الأمريكية ومع إسرائيل.. وفي الوقت ذاته أعاد جسور العلاقات مع الدول العربية دون أن يتجاهل الرأي العام المصري.. إلا أنه بمضي الوقت وامتداد فترة حكمه للبلاد بدأ مبارك يتبع نفس الوسائل القمعية التي اتبعها سابقوه في التعامل مع شعبه. وبعد هدنة قصيرة دخل مبارك في حرب مفتوحة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة مع معارضيه.. وأعلن حالة الطوارئ حتي يتمكن من القبض علي معارضيه دون محاكمات.. ويمنع حركات الاحتجاج من التظاهر.. ويحظر النشاط الحزبي الحقيقي.. ويزور الانتخابات والاستفتاءات.. بل وصل به الأمر إلي قتل معارضيه في الشوارع بعد مطاردتهم.. وبينما أصبحت فترة مبارك هي الأطول في تاريخ البلاد بدأت الأجهزة الأمنية تشكل جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأمريكية.. وعلي الرغم من دعاوي إدارة كلينتون ومن جاء بعده بالسعي لنشر الديمقراطية فإن الإدارة الأمريكية ساندت السياسات القمعية التي اتبعها مبارك.. وفي ظل هذه الأجواء القاتمة تمكن مبارك من الفوز بفترات رئاسية متتالية في استفتاءات شعبية مزورة وبنتيجة وصلت إلي 96.30%. ويشير المؤلف إلي الفساد الذي انتشر في الاقتصاد المصري علي الرغم من أنه بدأ وكأنه يمر بمرحلة انتعاش وازدهار.. فقد شجعت إعفاءات الديون بعد حرب الخليج وانتعاش حركة السياحة علي القيام بتعديلات هيكلية في الاقتصاد بمساعدة من صندوق النقد والبنك الدوليين.. لكن هذا الانتعاش كان شكلياً فقط وكانت ثماره حكراً علي الأغنياء ورجال الأعمال الذين ارتبطوا بوشائج قوية مع الإدارة الأمريكية ومع أسرة مبارك علي وجه الخصوص وأصبحوا يمثلون طبقة متميزة في المجتمع بينما ازداد الفقراء فقراً وتراجعت الصادرات وأغلقت مصانع القطاع العام وارتفعت معدلات البطالة بين الشباب. وغداً أكمل إن شاء الله بالفصل الخاص عن التوريث.