أهدتني الهيئة العامة للاستعلامات ملخصاً لكتاب بعنوان "تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي- المصري" تأليف جاسون براونلي الأستاذ بجامعة تكساس الأمريكية.. وهو كتاب قيم يحمل رسالة واضحة تؤكد أن الولاياتالمتحدة عملت بشكل عمدي علي تعطيل وإعاقة التحول الديمقراطي في مصر منذ أن بدأت تحالفها الاستراتيجي مع السادات في أواسط السبعينيات وحتي اليوم.. إدراكاً منها بأن أي نظام ديمقراطي يحترم الرأي العام المصري لن يخدم مصالحها.. ومن ثم فإنها يجب أن تحافظ علي نظام مستبد في مصر وإن اتخذ من الديمقراطية ديكوراً خارجياً. بالمناسبة.. أمريكا لا تخفي أسراراً إلي ما لا نهاية.. وهذا الكتاب أحد الكتب التي خرجت بعد سقوط نظام مبارك لتكشف خبايا الحلف غير المقدس الذي أقامته أمريكا مع السادات ومبارك لخدمة مصالحها في الشرق الأوسط.. ولذلك فإنني أتمني من الهيئة العامة للاستعلامات أن ترسل نسخة منه إلي الرئاسة والأحزاب وكل من له علاقة بالعمل السياسي حتي يدرك أنه سيأتي يوم تكشف فيه أمريكا عبر أحد كتابها عن الاتفاقات والمؤامرات والأهداف التي لا يعرفها الناس. وأستطيع أن أقول إن هذاالكتاب رسالة للرئيس الذي يحكم مصر الآن ومستقبلاً بأن الأمريكان قد يزينون الباطل بكلمات ناعمة حتي يمر ويحقق مصالحهم.. لكنهم بعد حين يسمون الباطل باسمه.. ويتهكمون علي من ضحكوا عليه وأوصلوه إلي طريق الهلاك. يستهل المؤلف كتابه بالتنويه إلي أن الولاياتالمتحدة ظلت لعقود طويلة تساند النظام الحاكم في مصر علي حساب الشعب المصري.. وقد وصل حجم المساعدات التي قدمتها منذ عام 1979 إلي ما يربو علي 60 مليار دولار بالإضافة إلي دعم سياسي غير مسبوق لحماية مصالحها الرئيسية في المنطقة والمتمثلة في أمن إسرائيل وضمان علاقات قوية مع دول الخليج المنتجة للبترول ومواجهة النفوذ السوفيتي والنفوذ الإيراني. ويؤكد جاسون براونلي أن العلاقات المصرية الأمريكية كانت طوال الوقت في صراع مع الرأي العام المحلي في مصر.. وكان أول اختبار هو اتفاقية السلام بين السادات وإسرائيل التي قوبلت برفض شعبي شديد.. إلا أن السادات تمكن من التغلب علي معارضيه وتكميم أفواههم جميعاً.. وقام البرلمان بالتصديق علي الاتفاقية في أبريل ..1979 وبدأت ديمقراطية السادات تشبه إلي حد بعيد دولة عبدالناصر البوليسية. وبالرغم من أن الرئيس كارتر كان يتفاخر بدفاعه عن حقوق الإنسان إلا أنه أحجم عن انتقاد السادات بسبب أساليبه القمعية والرقابة الصارمة واستفتاءاته غير الواقعية ونتائجها الخيالية.. وفي واقع الأمر اعتمد كارتر علي ديكتاتورية السادات.. إلا أن تبعات الاستبداد في الداخل أدت إلي نتائج وخيمة لم يستطع نظام السادات الصمود أمامها. ويشير المؤلف إلي أن مبارك بدأ تعامله مع الولاياتالمتحدة بحذر شديد وأبدي رغبة في الانفتاح علي المعارضة الداخلية.. ولكن مع مرور الوقت وامتداد فترة حكمه بدأ مبارك يتبع نفس الوسائل القمعية التي اتبعها سابقوه في التعامل مع شعبه. ومع تطور الأحداث الدولية والمحلية تحول التعاون الاستراتيجي بين أمريكا ونظام مبارك إلي تعاون أمني.. وصارت أجهزته الأمنية تشكل جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأمريكية.. وفي هذا الصدد يؤكد المؤلف أن الأجهزة الأمنية الأمريكية والمصرية بدأت في القبض علي المشتبه فيهم من الارهابيين وإرسالهم إلي مصر حيث تقوم السلطات المصرية تحت رعاية عمر سليمان باعتقالهم وتعذيبهم وفي بعض الأحيان إعدامهم.. وأخذت هذه الإجراءات الاستثنائية تشكل جوهر العلاقات بين البلدين. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ظهر اتجاه في أمريكا يطالب بإعادة النظر في علاقاتها مع الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي علي أساس أن غياب الحريات وانتشار الاستبداد يؤدي بطبيعة الحال إلي ظهور تنظيمات مثل "القاعدة".. لكن الخدمات الكبيرة التي قدمها مبارك للولايات المتحدة أثناء غزو العراق والتي لم تقدر تركيا الديمقراطية علي تقديمها جعلت الرئيس بوش يتراجع عن ضغوطه من أجل التغيير وينخرط تماماً في التعاون مع الآلة القمعية في مصر. ويوضح الكاتب أن تعزيز الديمقراطية في مصر كان يعني للجانب الأمريكي حث مبارك علي توسيع المشاركة السياسية ولكن مع استمرار الحكم الاستبدادي ويضيف أنه بينما كانت قوات أمنية مصرية تتلقي تدريبات في الولاياتالمتحدة كان مبارك ونجله يخططان لتنفيذ عملية التوريث في ظل نظام استبداد يستتر تحت غطاء من الاصلاح السياسي. علي الجانب الآخر كان مستشارو الرئيس بوش يفضلون شخصاً آخر أكثر خبرة سياسية وحنكة يمكن الاعتماد عليه مثل عمر سليمان ليخلف مبارك في حكم مصر. وحين قامت ثورة 25 يناير لم تساند الولاياتالمتحدة السيادة الشعبية منذ البداية بل علي العكس ساندت خطة تقترح انتقال منظم للسلطة إلي أحد مساعدي مبارك.. ويذكر المؤلف أنه حتي بعد أن أفشل المتظاهرون هذه الخطة استمر التحالف الأمريكي المصري المناهض للتحول الديمقراطي في مصر. هذه هي الرسالة التي يحملها كتاب جاسون براونلي بتفاصيله المرعبة.. والتي يجب علي حاكم مصر من الآن فصاعداً أن يتنبه لها.. لكي يختار النهاية التي يكتبها لنفسه. إشارات * خطوة إيجابية أن يسحب الرئيس مرسي بلاغات الرئاسة ضد الصحفيين والإعلاميين.. لكن هناك خطوة ايجابية ثانية واجبة علي الصحفيين والإعلاميين وهي وقف سيل الشتائم والسخرية والإدعاءات الكاذبة وترويج الشائعات التزاماً بالمهنية وميثاق الشرف الذي يتغني به الكثيرون ولا يلتزمون به. * بالتأكيد هناك فرق بين النقد والشتائم ووصلات الردح.. وكل منا يختار بأي مداد يكتب. * غريبة.. أعلي الناس صوتاً وتشنجاً هم الأكثر تورطاً في جرائم نظام مبارك وحاشيته. * الذين يهاجمون قطر لأنها أقدمت علي مساعدتنا هم أنفسهم الذين يضجون بالشكوي من التدهور الاقتصادي وجنون الدولار وضعف الخدمات.. إنهم يريدون أن تظل الأزمة قائمة بلا حل حتي يسقط الرئيس مرسي حتي ولو كان علي حساب الشعب البسيط. * التوظيف السياسي للأحداث الطائفية جريمة في حق الوطن والمواطنين. * أخيراً.. وبعد 4 حلقات من الحذر نجحت لميس الحديدي في جر الأستاذ هيكل إلي منهجها وأسلوبها ولغتها وموقفها السياسي.