السائر في شارع صلاح سالم تطالعه أعلي مبني الجهاز المركزي للإحصاء لافتة كبيرة بالنيون. تعلن أولاً بأول ما يجد من زيادات في المواليد علي امتداد الأرض المصرية. آخر ما طالعني رقم يقترب من 87 مليوناً. ولو أني عاودت النظر في مرة قادمة. فلابد أن الرقم سيزيد بما يقاربه بامتياز من رقم المائة مليون! الإحصاءات الموثقة تشير إلي أن كل 12 ثانية تستقبل مصر مولوداً جديداً وبديهي أن المعدلات سترتفع بارتفاع أعداد المواليد.. كان المواليد أقل من المعدلات الحالية عندما كان عدد المواطنين في حدود الملايين العشرة كما كان في أوائل القرن العشرين. وفي حدود الملايين العشرين كما في بدايات ثورة يوليو. وفي حدود الثلاثين عندما غني عبدالحليم حافظ لعبدالناصر: أطلب تلاقي.. ثلاثين مليون فدائي. وهو عدد المصريين في أعوام الستينيات. الزيادة مطردة كما تري تعكس حتي لو أنكر البعض ما تحقق من خدمات في مجالات الحياة المختلفة. تناسينا ثالوث الجهل والفقر والمرض. ومشروع إلغاء الحفاء الذي كان إدانة لعهود ما قبل 1952. وإن انشغلنا فيما بعد بضرورة مجاوزة التخلف. وعدم الاقتصار علي خطوات محلك سر!. أضاف إلي همومنا ومعاناتنا تخبط السياسات علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً. وإتاحة الفرصة للفساد كي يقوض كل ما بنيناه. أقدر خطط ومشروعات التنمية سعياً لبناء مصر التي نريدها من حيث وصل التاريخ والحضارة والتراث بالمدنية والتقدم.. لكن المعدلات العالية في زيادة المواليد تفرض وضع الخطط والمشروعات التي تكفل امتصاص تزايد الأعداد. بحيث يجد كل مواطن عملاً يفيد به. ويفيد منه. نصنع مجتمعاً متقدماً. متكاملاً. لا يقتصر علي الدعوة إلي تحديد النسل. رغم أنها دعوة مقبولة ومطلوبة. وقد كان في مقدمة ما دعا إليه عمرو بن العاص أهل مصر عقب الفتح العربي أن يقضوا علي الفقر بتحديد النسل. وهو ما ذكره المقريزي في تاريخه! تحديد النسل حل مطلوب. لكنه أثبت فشلاً لافتاً في مراكز تنظيم الأسرة. وفي حسنين ومحمدين. والأفلام الوثائقية. واتهام رئيس الدولة لمواطنيه بأنهم لا يتدبرون عواقب الليالي الرخيصة علي خطط التنمية! المشروعات التي تعد الدولة لانجازها في الفترة القادمة. مؤشر لهذه الحلول التي تحاول الإفادة من الطاقات البشرية والاقتصادية. بحيث تتحول البلاد إلي خلية عمل هائلة. تستثمر كل من فيها. وما فيها. لصالح المستقبل الذي نحاول تحقيقه. لا أسرف في التمني. لكن الخطوة الأولي في مسيرة الألف ميل يجب أن تبدأ. والأحلام الكبيرة تصنع بالضرورة نتائج إيجابية. حتي لو لم تكن في مستوي تحمسنا لتحقيقها. أما الأحلام الصغيرة فهي في الأغلب لا تصنع شيئاً!