أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان في منتهي القلق علي ابنته حفصة وأمها مع أخيها عبدالله زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. هذا القلق تعرض له بعد وفاة زوجها حنيس بن حذافة السهمي بعد أن شهد بدراً مع جموع المسلمين. إنه الحب الذي استكن في قلب عمر رضي الله عنه وفي نفس الوقت يريد أن يطمئن خاطره بارتباط ابنته برجل يتولي أمرها. وهكذا شأن كل رجل يريد أن يدخل السعادة والسرور علي قلب ابنته وليس أكثر من رجل صالح يختاره الأب لابنته. خاصة إذا كان هذا الأب من أهل الإيمان مثل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. علي هذا الأساس انطلق عمر رضي الله عنه يبحث لابنته عن رجل من أهل الإيمان تعيش في كنفه كي يستكن الاطمئنان في قلب عمر رضي الله عنه. ولذلك توجه إلي أبي بكر الصديق يعرض عليه ابنته إذ لا حرج لدي عمر في هذا العرض فقد ضرب المثل والنموذج لكل الآباء بألا تتحرجوا في البحث عن رجل للابنة التي بلغت سن الزواج. ولعل المثل العربي "ابحث عن رجل لابنتك قبل البحث عن عروس لابنك" إنه طريق النجاة لعفة المرأة وصيانة لحياتها مع رجل يقدر هذه الابنة. وهنا عرض حفصة علي أبي بكر لكنه لم يرد علي عمر بأي كلمة فغضب عمر من هذا التصرف. فتحرك عمر نحو عثمان فعرض عليه حفصة فقال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم. أمام هذين الموقفين توجه عمر إلي رسول الله متضايقاً وشكا له عثمان. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان. ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة. ثم خطبها رسول الله صلي الله عليه وسلم فتزوجها وانضمت إلي نساء البيت النبوي. وبعد هذا الزواج لقي أبوبكر عمر رضي الله عنهما وفي إطار علاقات الود بين هذين الصحابيين قال أبوبكر رضي الله عنه لعمر: لا تجر علي في نفسك. لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم ذكر حفصة. فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلي الله عليه وسلم فلو تركها لتزوجتها. وقد كان زواج رسول الله بحفصة سنة ثلاثة من الهجرة. مضت الحياة بحفصة في بيت الرسول واطمأن قلب عمر حيث كان ينشد السعادة لابنته شأن كل والد يسعي لراحة أولاده خاصة البنات فالرجل الصالح خير سند لأي فتاة ولذلك كان اهتمام عمر رضي الله عنه باختيار رجل من كبار أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ليقترن بها وقد عوضه الله خيراً بزواجها من سيد الخلق. لكن بعد فترة من هذا الزواج طلقها رسول الله صلي الله عليه وسلم تطليقة. وعندما بلغ عمر الخبر انتابه الغضب حزناً علي هذا الانفصال وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها لأن غضب الرسول أصاب عمر بالقلق لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله. لحظات من الضيق عاشها عمر مع ابنته. وسط هذا الانفعال والغضب كانت العناية الإلهية من فوق سبع سماوات قد بعثت الأمل في النفوس من جديد. فقد نزل جبريل بأمر من الرحمن بتعليمات محددة حيث قال لسيد الخلق صلي الله عليه وسلم: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة. بشريات وشهادة صدق في حق حفصة. وقد نزلت هذه الكلمات برداً وسلاماً علي قلب عمر وابنته وأسرته.