بشائر الخير والعطاء تعطر سماء الدنيا في هذه الأيام المباركة التي أشرق نورها منذ أطل علينا شهر شعبان بنفحاته والذكريات التي سوف تظل مثار الحديث حول فضائلها ومدي تأثيرها في نفوس أهل الإيمان. كما حمل في نفس الوقت تذكيرًا لأولي العزم بسحائب الخير ومواسم التقرب إلي الله سواء بصيام أيام من هذا الشهر اقتداء بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أو الإكثار من فعل الخيرات والإحسان إلي الضعفاء والمساكين. إنها بلا شك فرص متجددة لكل إنسان يؤمن بالله ولديه العزيمة الصادقة والنوايا المخلصة لانتهاز هذه النفحات التي يجود بها رب العباد علي أهل التقوي والإيمان. ولعل ما يذكرنا جميعا أن سيدنا محمدًا صلي الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شعبان وعندما سئل صلي الله عليه وسلم عن سبب هذا الصيام؟ قال في إجابته: إن هذا الشهر يحظي بأهمية خاصة لأنه ترفع فيه الأعمال وأنا أحب أن ترفع أعمالي وأنا صائم. هكذا بكل ود وتواضع لكي يوضح للأمة جميعاً وليس للسائل فقط. مما يؤكد فضائل أيام هذا الشهر. ولذلك يجب أن تكون إشارة النبي صلي الله عليه وسلم في بؤرة اهتمام أهل الإيمان والباحثين عن أعمال الخير وعليهم أن ينتهزوا هذه الفرص المتجددة علي مدي هذه المناسبات التي أتاحها رب العباد. لكي يحظوا بنصيبهم من تلك النفحات التي يتجلي بها الحق سبحانه علي عباده وذلك من رحمته ولطفه بهم. وشهر شعبان قد سبقته أيام شهر رجب التي حظيت برحلتي الإسراء والمعراج وكلها تتمتع بفضائل ومميزات شأن حكمة الله في كل مخلوقاته. ومن بين الفضائل التي تتمتع بها أيام وليالي شعبان أنها شهدت حادثا تاريخيا سجله رب العالمين في القرآن الكريم في آيات بسورة البقرة "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. قل لله المشرق والمغرب. يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" فعن البراء قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي متجها نحو بيت المقدس. وكان يكثر النظر ويتطلع إلي السماء ينتظر أمر الله. وقد كان الله تعالي يعلم ما يدور في وجدان النبي وصدرت أوامر الله بتحقيق رجاء النبي صلي الله عليه وسلم رغم أنه لم يفصح عن ذلك صراحة. وذلك بعد نحو 17 شهراً من الاتجاه إلي بيت المقدس. وعندما اتجه الرسول صلي الله عليه وسلم إلي بيت الله الحرام قال اليهود وأهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وقد رد الله عليه خارسًا لأي ألسنة. ثم ثارت أقوال: ما بال هؤلاء الذين ماتوا قبل أن يشهدوا تحويل القبلة. فأنزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم". حقائق سوف تظل أبد التاريخ حادثا له شأنه في نفوس أهل الإيمان. وقد كان أول صلاة صلاها بعد تحويل القبلة هي صلاة العصر. منذ نزول هذه الآيات صار الاتجاه إلي بيت الله الحرام في الصلاة أمرًا واجبًا "قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" "144 البقرة". كل ذلك يوضح بجلاء فضل التقرب إلي الله بالإكثار من الصيام استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك بالإضافة إلي غير ذلك من صنوف العبادات وأفعال الخيرات. فإذا كان الصيام في شعبان ليس واجباً وإنما هو حفز للهمم وإتاحة الفرصة لكي يتعود المسلم علي الصيام بحيث لا تكون أيام رمضان تصادفه دون هذا الاستعداد البدني والروحي. ولاشك أن هذه المواسم وتلك المناسبات تذكرنا دائما بمدي قدرة الله عز وجل فتلك الأيام خلقها الله لكي يستغلها العباد في كل شئون الحياة التي تنفع كل من يعيش علي سطح الأرض وصدق الله إذ يقول: "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا". جدير بأي مسلم أن يغتنم هذه الفرص في التزود بالتقوي والطاعات وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب" لكن الناس في غفلة. تشغلهم هموم الحياة ومشاكلها وهمومها التي لا تنتهي ثم يفاجأ العبد بأن أيام العمر تنقضي دون أن يقدم لنفسه رصيدًا ينفعه في حياته الدنيوية وفي الآخرة. ورب سائل يقول: وما المنافع التي تعود علي المرء في حياته بالدنيا؟ أقول له: المكاسب كثيرة ومتنوعة لعل أكثرها أهمية الطمأنينة والرضا التي تكسب القلب والوجدان سكينة وراحة تجعل الإنسان سعيدًا وبالتالي يقبل علي مواجهة أعباء الحياة بهمة ونشاط ثم تتوالي المكاسب ومنها كسب المال بطرق مشروعة واكتساب خبرات تزيده معرفة في عمله ومن المنافع أيضاً أن المرء يشعر بالبهجة والتفاؤل فيعيش حياته راضياً سعيداً. ومن يتأمل عالم الماديات خاصة في هذه الأيام التي تشهد التقدم العلمي والتكنولوجيا. وبالتالي تسيطر علي الإنسان الماديات دون إشباع روحي وطاقة إيمانية تساعده علي قهر عالم الماديات. ولذلك نري كثيرًا من الأفراد يقدمون علي الانتحار والتخلص من هذه الحياة رغم أنهم يتمتعون بالثراء. ورغد الحياة. لكن بلا غذاء روحي وإيمان يطرد تلك الهواجس والخواطر التي تدفع هؤلاء للانتحار. ولذلك كان الرسول يحث دائما علي التزود بأفعال الخير والاقبال علي الحياة بإيمان لا يتزعزع مهما كانت شدة عواصف الحياة. "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد".