1- للطعام آداب تهذب النفس وتشير إلي صلاح المتأدب بها وإلي فساد المتخلي عنها. ومن آداب الطعام أن يتخير الإنسان طعاماً متوسط الحرارة. فلا يكون شديد السخونة ولا شديد البرودة. وأن يأكل مما يليه. ولا يملأ بطنه بالطعام. فيترك للنفس والشراب مكاناً. ومن آدابه أن يختار المرء المذاق الحسن. فينتقي الأطيب والأزكي. وقد أشار القرآن الكريم إلي مثالين لتأكيد ذلك المعني. الأول: للعُصاة المعاندين لرسولهم.. فقال تعالي: "وإذْ قُلْتُم يَا مُوسَي لَنْ نَصْبِرَ عَلَي طَعَامي واحِدي فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وقِثَّائهَا وفُومِهَا وعَدَسِهَا وبَصَلِهَا قَالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بالَّذِي هُوَ خَيْرى اهْبِطُوا مِصْرًا فَإنَّ لَكُم مَا سَألْتُم" "البقرة:61". فكان من أخلاقهم أنهم تخيروا الطعام الأقل في الجودة والمذاق والقيمة الغذائية علي الطعام الأفضل. بما يشير إلي علاقة بين سوء فهمهم للطعام. وتذوقه. وبين عصيانهم وعنادهم ومشاغباتهم التي وسموا بها عبر القرون. بما يجعلنا نؤكد أن للطعام أثراً في هذا الكون. في تصرفات الإنسان. وفي الاستجابة لأوامر اللَّه. وفي وضعه الاجتماعي والكوني. وقد جمع القرآن في آية واحدة بين سوء ذوقهم وفهمهم بتخير الطعام الأخس علي الأعلي. وبين كبير جُرمهم مع اللَّه بقتل أنبيائه. حيث عقب ذلك بقوله تعالي: "وضُرِبَتْ عَلَيْهِم الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وبَاءُوا بِغَضَبي من اللَّه ذَلِكَ بأنَّهُم كَانُوا يَكْفُرُون بآيَاتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ذلِكَ بِمَا عَصَوا وكَانُوا يَعْتَدُون" "البقرة: 61". 2- أما المثال الثاني فكان للصالحين وهم أهل الكهف. قال تعالي: "فَلْيَنْظُر أيُّهَا أزْكَي طَعَامًا فَلْيأتِكُم بِرِزْقي مِنهُ وليَتَلَطَّفَ ولا يُشْعِرَنَّ بِكُم أحَدًا" "الكهف:19". فهؤلاء الصالحون اهتموا أن يكون الطعام زكيًا طيباً. بل أزكي الأطعمة التي يمكن أن تُشتَري بهذه القيمة. فكان من الممكن أن تكون طول فترة النوم سبباً في عدم الاهتمام بتخير الطعام الأزكي. وكانت شدة الجوع مبرراً لهم لأكل أي شيء دون تمييز. إلا أنهم أثبتوا أن أخلاقهم عالية مهذبة. ومن أسباب هذا العلو وذلك التهذيب تخيرهم للطعام الأزكي. فكانوا يتخيرون إذا تحدثوا من الكلام أزكاه. رضي اللَّه عنهم. ونفعنا بهم وبسيرتهم في الدنيا والآخرة. 3- وفي ذلك كله إشارة لما في الطعام الزكي الطيب من آثار أخلاقية وسلوكية إيجابية تترتب عليه. كما أن الطعام الذي يأتي من الغصب والسرقة كذلك لا يكون طيباً في نفسه وفي مذاقه. وله من الآثار السلبية علي خلق صاحبه وسلوكه. 4- وقد أشار الله في شأن الطعام في القرآن إلي جُرم تحريم الحلال. وأنه لا يقل جُرمًا من تحليل الحرام» وذلك لأن كليهما مرجعهما عقلية واحدة. وهي عقلية عدم الاكتفاء بالشرع. إما بالزيادة أو النقصان. فالطيبات من الرزق أحلها اللَّه للناس كافة. فيشترك جميع الخلق في الأكل من مائدة الرحمن. وهي الكون الفسيح. فالكل كفل له رِزْقه. ورَزَقهُ من الطيبات في الدنيا. أما في الآخرة فإن هذا الرزق يكون خالصاً للمؤمنين وحدهم. قال تعالي: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أخْرَج لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمي يَعْلَمُون" "الأعراف:32". 5- ولقد حرَّم اليهود بعض الأطعمة بناء علي أن سيدنا إسرائيل "يعقوب" حرَّمها علي نفسه بعض الوقت. ولقد أخبر بالقُرآن أن تحريم هذه الأطعمة حيث كانوا ينكرون علي النبي "صلي اللَّه عليه وسلم" أكله للإبل وهي محرمة عندهم لم يكن بالتوراة. فقال سبحانه: "كُلُّ الطَعَامِ كَانَ حِلاّي لِبَنِي إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلي نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أن تُنَزَّل التَّوْرَاةُ قُلْ فَأتُوا بالتَّورَاةِ فاتْلُوهَا إن كُنْتُم صَادِقين" "آل عمران:93". 6- فللطعام مكانة عظيمة وقد قرنه رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" بذكر اللَّه باعتبار أنه من مظاهر الفرحة وشكر النعمة. خاصة في الأعياد. فقال "صلي اللَّه عليه وسلم": "أيام أكل وشرب وذكر اللَّه عز وجل" "رواه أبوداود". هذه قطوف متنوعة تدل علي قيمة الطعام والإطعام في الشرع الشريف. وأثره في أخلاق المسلم وسلوكه. فهي علاقة حقيقية ولا يشككنا في ثبوتها أنه لم ينشئ "علم نفس الطعام" حتي الآن. فإن كتاب ربنا ينطق بالحق. وهو كنز يتملئ بالآيات البينات التي ترشد الإنسان إلي سعادة الدنيا والآخرة.