عبر الe-mail تلقيت هذه السطور: أنا أرملة عمري 75 سنة اعطاني الله خمسة من الابناء.. وليتني ما أنجبتهم فهم لا يطيقونني وأنا محتاجة لمكان ارتاح فيه بقية عمري ولو كنت امتلك نفقات الاقامة في دار للمسنين لفعلت.. لذا كل حلمي أن تساعديني في الحصول علي شقة من الحكومة بقسط بسيط!! إلي هنا انتهت سطور الe-mail الذي يحمل توقيع الأم المنكوبة في أولادها وعنوانها المؤقت ورقم المحمول.. وما كان لي لاكتفي بهذه الكلمات القليلة بل سعيت للاتصال بالرقم الذي تركته لي فاستقبلتني بدعاء للإمام الراحل محمد متولي الشعراوي وهو يقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت..." وانتهي الcalltone ليأتيني صوتها.. وظننته في البداية أنه صاحبة المأساة. قالت: أنا جارة الحاجة زيزي وقد أرسلت إليك هذه السطور لعلي أضع نهاية لعذابها وأنا أراها تنتقل بين بيوت الجارات بعد ان استنزفها أولادها لآخر قطرة وراحوا لاستفزازها حتي لا يطول لها مقام عندهم.. وكم تأثرت لحالها وتمنيت ان يجعلني الله في خدمتها لأنال ثواب رعايتها وأجد من يرأف بي عندما يتقدم بي العمر وها هي بجانبي لتسمعي منها مأساتها. وما أن وصلني صوتها إلا واندفعت قائلة: أولادي رموني بعد أن اخذوا ما أرادوه مني. كنا نقطن في شقة تمليكا وبعد زواجهم جميعا توفي والدهم فمضوا يفرشون لي الأرض وردا مؤكدين أنهم لن يتركوني أبداً. وفي الحقيقة صدقتهم وقلت في نفسي "أولادي وهيراعوني".. لكني اكتشفت أنهم كانوا يتوددون لي حتي أوافقهم علي بيع الشقة وأسكن بينهم لكنني اكتشفت أنني بلعت الطعم فما أن نزلت علي رغبتهم وحصل كل منهم علي نصيبه - بنات وأولاد - بات الكل يتأفف من خدمتي ويتمني خروجي من عنده وعدم عودتي.. جربتها في يوم حين استقللت سيارة ميكروباص وغالبتني الدموع علي ما أجده من أقرب الناس إليَّ وفي تلك اللحظات شعرت بمن تمسح بيدها علي رأسي إنها جارتي صاحبة الe-mail التي ما أن علمت بقصتي حتي اصطحبتني إلي بيتها وأصرت علي المبيت لديها وانتظرت من يأتي ليبحث عني ولكن لم يحدث. تواصل العجوز: ومن يومها والجارات يتناوبن استضافتي وخدمتي في وقت انصرف أولادي فلذات أكبادي علي متناسين كيف حرصت علي توفير حياة مستقرة لهم خاصة أن أباهم كان أرزقيا يسعي في الأرض علي عبرته الصغيرة ويأتي آخر النهار متعباً أمهلا في توفير مستقبل أفضل لهم وكم كانت فرحتنا عندما حصلت ابنتنا الكبري علي الدبلوم أما الوسطي فقدراتها لم تتجاوز الاعدادية وهما أفضل حالا من اشقائهم الذين ساروا علي درب أبيهم في دنيا "الارزقية" ليشقوا طريقهم في الحياة ويصبح لهم بيوت وابناء!! وبعد ما اصابني منهم من نكران وجحود خاصة البنتين صرت لا أدري من أين أعيش وأقيم؟ حيث لم يترك لي زوجي معاشا وسني وصحتي لا يسمحان لي بالبحث عن عمل. ولكي أن تشعري بمدي الحرج الذي صرت فيه بالرغم من ان جاراتي لا يبدين ضيقا ولا استياء مني ولكن الإنسان في النهاية ثقيل. وفي تلك الاثناء اعادت الهاتف لجارتها التي أخذت تؤكد لي وبعزم وصدق أن أسعد لحظاتها عندما تكون في خدمة تلك السيدة المسنة ولو كان الأمر بيدها ما تركتها في هذه الحيرة لكن الظروف أقوي منها فهي تسكن هي وأفراد أسرتها الستة في شقة صغيرة جداً أقل من ستين مترا والزوج موظف بالحكومة والدخل لا يتحمل أعباء اقامتها في دار للمسنين ولكن بمجرد ان يصبح لها سكن لن تفارقها للحظة فأينما كانت معها تحل البركة. وهكذا وضعت تلك الجارة الإنسانة علي عاتقها مهمة البحث عن مسكن للعجوز ومناشدة كل الجهات دون تكليف من أحد إلا من ضميرها في حين تجاهل أبناؤها وجودها دون أن يشعروا بوخز الضمير متناسين عقوبة عقوق الوالدين والتي أذكر بها دائما قراء النافذة وعواقب الغفلة عنها فهي من الكبائر التي يعجل الله بعقوبتها في الدنيا قبل الآخرة.. فهل يفيقون قبل فوات الآوان؟؟؟ المحررة