يستحق المجلس الأعلي للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي الشكر الجزيل علي التعديلات الجديدة لقانون مباشرة الحقوق السياسية التي أصدرها الخميس الماضي.. فقد تضمنت الكثير من المطالب الثورية التي كنا نحلم بها. في هذه التعديلات حقق لنا المجلس الأعلي للقوات المسلحة الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات بمبدأ "قاض لكل صندوق".. ووضع العملية الانتخابية برمتها في يد القضاء وجعل دور الشرطة مقصوراً علي تأمين اللجان من الخارج.. كما سمح بتواجد منظمات المجتمع المدني الداخلية والخارجية لمتابعة الانتخابات.. فلم يعد هناك ما نخفيه. وأقرت التعديلات مبدأ إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري علي مرحلتين أو ثلاث مراحل حتي يتسني توفير القضاة بما يضمن انضباط الانتخابات تماماً تحت الإشراف القضائي.. وبالتالي يمكن تقسيم الجمهورية لعدة مراحل.. في كل مرحلة محافظة أو عدة محافظات مجتمعة. وحول آلية التصويت في الانتخابات قال اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية في المؤتمر الصحفي الموسع إن التصويت سيتم ببطاقة الرقم القومي ولن تكون هناك بطاقات انتخابية.. ويحق للناخب التصويت بمحل إقامته المسجل ببطاقة الرقم القومي فقط. وفي هذه النقطة تحديداً قالت المادة "11" من تعديلات القانون ما يلي: "الموطن الانتخابي هو محل الإقامة الثابت ببطاقة الرقم القومي". وليسمح لي المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. واللواء ممدوح شاهين شخصياً.. وكل من شارك في وضع التعديلات الجديدة أن ألفت الأنظار إلي أن هذه المادة لا تناسب ظروفنا.. ولم تكن ضمن مطالبنا.. ولم تكن مطروحة أصلاً في الحوار حول الممارسة السياسية قبل الثورة وبعدها.. وسوف تحدث ارتباكاً شديداً.. وربما تدفع كثيرين إلي الطعن عليها أو تزوير مقر إقامتهم ليتطابق مع موطنهم الانتخابي المختار. كلنا يعرف أن الموطن الانتخابي يختلف تماماً عن مقر الإقامة.. الأول يتعلق بالمكان الذي ارتبط به الناخب سياسياً ووجدانياً وخبرة وألم بكل تفاصيل مشهده الانتخابي.. أما الثاني فإنه يتغير حسب ظروف العمل وتنقلاته.. وكثير من أبناء القري علي وجه الخصوص يرتبطون في الانتخابات بموطنهم الأصلي. وحينما يصر القانون علي أن الموطن الانتخابي هو مقر الإقامة فإنه بذلك يحد من حرية المواطن الناخب في أن يمارس حقه الدستوري في المكان الذي يريده.. وفي البيئة السياسية التي يعرفها ويتعايش معها.. وتزداد المشكلة تعقيداً عندما يتعلق الأمر بحرية المواطن المرشح في أن يمارس حقه الدستوري في أن يترشح للانتخابات في الدائرة التي يعرفها وتعرفه.. وفي الموطن الانتخابي الذي يريده.. والذي له نشاط وتواجد سياسي فيه.. بصرف النظر عن مقر إقامته الذي يتغير وفقاً لظروف خاصة أخري لا علاقة لها بالانتخابات. كان يكفينا جداً إقرار مبدأ أن الانتخابات تجري ببطاقة الرقم القومي لضمان عدم التزوير.. ولكن الخلط بين مقر الإقامة والموطن الانتخابي يمثل قيداً لا لزوم له علي الممارسة السياسية وعلي إرادة المواطن.. وكان من السهل إعداد كشوف جديدة للناخبين لتنقيتها من الموتي وفتح الباب أمام من يرغب في تعديل موطنه الانتخابي لمدة محددة. وسوف تظهر مشكلة هذه المادة وتتضخم في انتخابات مجلسي الشعب والشوري القادمين لأن هذه الانتخابات ترتبط ترشيحاً وتصويتاً بالموطن الانتخابي.. أما الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء فمن الممكن أن يجري التصويت فيهما بدائرة محل الإقامة دون مشاكل. لا شك أن القوات المسلحة تسعي من خلال هذه التعديلات الجديدة إلي تحقيق الديمقراطية الآمنة والحقيقية للشعب.. وضمان تحقيق رغبة المواطنين لاختيار مرشحيهم من خلال انتخابات حرة نزيهة دون أي تدخلات.. لكن القيود التي فرضتها المادة "11" والخاصة بالموطن الانتخابي تحتاج إلي إعادة نظر.. وسوف تكون موضوعاً لجدل طويل خلال الأيام القادمة.. ومن الأفضل تصحيحها قبل الانتخابات القادمة.