عشنا بالأمس حالة من الفخر الوطني ونحن نتابع اجتماع مجلس جامعة الدول العربية وانتخاب وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي أميناً عاماً بالإجماع للجامعة بعد أن سحبت الشقيقة قطر مرشحها للمنصب.. وضربت أروع مثل في الالتزام بوحدة الصف ودعم التوافق والعمل العربي المشترك. كانت لحظات من الصفاء القومي والسمو والتصالح مع النفس.. ونجحت الدول العربية مجتمعة رغم ما بينها من خلافات وحساسيات في أن تتخطي عقبة الانقسام بين المرشح المصري والمرشح القطري.. وهي العقبة التي اعترف كل من تحدث في الجلسة العلنية لوزراء الخارجية ورؤساء الوفود العرب بأنها كانت صعبة كما أن الاختيار كان عصيبا.. ثم جاء الحل بأن ترشح مصر د. نبيل العربي وزير خارجيتها وتسحب قطر مرشحها ويتم الاتفاق. وإذا كانت مصر تمر هذه الأيام بظروف داخلية صعبة سياسياً واقتصادياً.. وإذا كانت قد هانت في لحظة علي بعض أبنائها الذين تبنوا دعوة الاستقواء بالخارج.. فإن من تابع اجتماع مجلس الجامعة العربية أدرك بلا شك الحقيقة التاريخية الخالدة.. وهي أن مصر عظيمة وكبيرة وقائدة ولا يمكن لأحد أن يملأ مكانها إلا هي. حين يتحدث وزراء الخارجية العرب عن مواقف مصر ودورها وتضحياتها والأمل الذي يحدوهم في مستقبلها تشعر أن مصر ليست مجرد تاريخ وجغرافيا ووطن وانما هي رسالة ومسئولية وقيادة. وحينما يتحدث وزراء الخارجية عن عمرو موسي الذي انتهت فترة ولايته وقد عملوا إلي جانبه وتعلموا منه واستمدوا القوة والثقة من مواقفه ورؤاه في اللحظات العصيبة تشعر أنك تنتمي إلي قوة عظمي حقيقية.. ليس بمقاييس الرفاهية الاقتصادية والامكانات العسكرية والنووية وانما بمقاييس العلم والخبرة والثقافة والقدرات والكفاءات البشرية. وحين يتحدث وزراء الخارجية ورؤساء الوفود عن الأمين العام الجديد د. نبيل العربي وأستاذيته الدبلوماسية والقانونية وسعة أفقه السياسي.. وانفتاحه علي القضايا العربية وعلي القوي المحيطة بعالمنا العربي من الشرق والشمال والجنوب.. ولغته التي تجمع بين وضوح الرؤية وقوة الحسم لابد أن تشعر أن مصر تحصد اليوم ما زرعته علي مدي أعوام طويلة مضت.. وما ضحت به من مال ودم. ان وقائع اجتماع الجامعة العربية لانتخاب أمين عام جديد وتكريم الامين العام المنتهية ولايته جعلت من يوم أمس يوما مصريا بامتياز.. البعض أسماه بيوم الوفاء لمصر.. مصر العروبة ومصر العطاء ومصر الثورة التي قدمت نموذجا غاية في التحضر لما ينبغي أن تكون عليه الثورات الشعبية السلمية في القرن الواحد والعشرين. وتستحق الدول العربية الشقيقة التحية والشكر علي موقفها أمس.. وعلي وفائها لمصر في هذه المرحلة التي تعد بحق مرحلة تحول كبير في تاريخنا من الحكم الفرعوني إلي الحكم الديمقراطي.. ولا شك أن هذا التحول الذي تعيشه مصر حاليا سوف ينعكس بشكل أو بآخر علي كافة الدول العربية في المدي القريب.. فما يحدث اليوم في مصر يحدث علي الفور غدا أو بعد غد في مختلف العواصم العربية.. وإذا كان لهذه الأمة ان تسير في طريق الحرية والعدالة فالبداية تكون دائما في مصر ومنها. وتستحق الشقيقة قطر التحية والشكر علي موقفها القومي الذي اثبت أنها تتمتع بحس قومي عال وقيادة واعية تدرك أن متطلبات الاستراتيجية العربية تعلو فوق أية رؤي ضيقة.. وأن العمل العربي المشترك في حاجة إلي التوافق وليس التنافس. وهنيئا لمصر الكبيرة بتاريخها وحاضرها.. الغنية بأبنائها وذخيرتها التي لا تنفد.. وهنيئا للدبلوماسي والقانوني الكبير النبيل العربي الذي أعاد لمصر في أيام قلائل وجهها القومي العربي المشرق.. وأثبت فساد دبلوماسية مبارك ونظامه.. فمصر كانت وستظل عربية قومية وليست أمريكية ولا اسرائيلية أبداً أبداً أبداً.