تحت هذا العنوان كتب الدكتور جمال حمدان في موسوعته الملحمية "شخصية مصر" التي حدثتك عنها بالأمس كلاما صادما عنا نحن المصريين.. فيه ما يشبه التشخيص الدقيق لأمراضنا وعيوبنا التي لم يكتب عنها من قبل ولم تقرأها أجيالنا ربما.. لكنه كلام مهم يجب أن تتسع له صدورنا ونواجه به أنفسنا.. ونستذكره دائما.. علي الرغم من أنه لا يرضينا. يقول: حينما ننظر إلي أنفسنا فإننا نصطدم بمشكلة مؤسفة وجسيمة كالعقبة الكأداء.. فنحن كشعب لا نحب فقط أن نمجد ونطري أنفسنا بحق وبغير حق.. ولكننا أيضا نحب أن نسمع عن أنفسنا ما يرضينا ويعجبنا أو يرضي إعجابنا بذاتنا الوطنية وبشخصيتنا القومية.. بل اننا لنكره أشد الكره أن نسمع عن عيوبنا وشوائبنا ونرفض بإباء أن نواجهها أو نواجه بها.. ولا تكاد توجد فضيلة علي وجه الأرض إلا وننسبها إلي أنفسنا.. وأيما رذيلة أو عيب فينا إن هي وجدت فلا محل لها لدينا من الإعراب أو الاعتراف.. وإن اعترفنا بها علي مضض واستثناء فلها عندنا العذر الجاهز والمبرر والحجة المقنعة. واللوم الكبير في هذا الصدد يقع علي الكتّاب وقادة الرأي الذين يمارسون التدليس علي قرائهم منذ زمن بعيد.. يقول د. حمدان: "حين نرجع مثلا فيما نكتب عن أنفسنا إلي كتابات الرحالة والمؤرخين العرب في العصور الوسطي أو الكتّاب الأجانب المعاصرين ننتخب منها فقط تلك الإشارات الطيبة والمرضية ونحشدها حشدا "كفضائل مصر" مهملين ببساطة شديدة كل الإشارات العكسية أو المعاكسة التي أوردها الكتاب نفسه والتي قد تكون أضعاف الأولي كمًا وكيفًا. وكثيرا ما نقلب عيوبنا عن عمد إلي مزايا ونقائصنا إلي محاسن.. بل أسوأ من ذلك قد نتباهي ونتفاخر بعيوبنا وسلبياتنا ذاتها.. ولعل هذا تجسيد لما سماه البعض "الشخصية الفهلوية". ويبدو عموما اننا كلما زاد جهلنا بمصر زاد تعصبنا لها.. بل الملاحظ اننا كلما ازدادت أحوالنا سوءا وتدهورا زاد تفاخرنا بأمجادنا وعظمتنا.. كلما زدنا هزيمة وانكسارا زدنا افتخارا بأننا شعب محارب.. وكلما زدنا استسلاما وتسليما زدنا تباهيا بأننا شعب سلام متحضر.. إلخ. ثم يطرح علينا د. جمال حمدان تساؤلا مهما قبل أن نطرحه نحن عليه في هذا السياق قائلا: أهو نوع من الدفاع الطبيعي عن النفس للبقاء أم خداع للنفس قاتل.. أم هو الأول عن طريق الثاني؟! وقبل الاجابة عن السؤال يعاجلنا بصدمة أخري.. فنحن كما يقول معجبون بأنفسنا أكثر مما ينبغي وإلي درجة تتجاوز الكبرياء الصحي إلي الكبر المرضي.. وهذا مقتل حقيقي كامن للشخصية المصرية.. فمن المحقق الذي لا يقبل جدلا أو لجاجًا أن كل مركب عظمة فعلي أو مفتعل إنما هو مركب نقص مقلوب.. انه تعويض مريض عن شعور بعدم الثقة.. بالعجز والقصور.. باليأس والضمور والإحباط والانحدار. وهذا الشعور يرجع من وجهة نظر د. جمال حمدان إلي ميراث القرون والأجيال الكاتمة الكئيبة من الاستعمار والتبعية والاستبداد والمذلة والتخلف والفقر.. ومن هذا كله تبدو الهوة هائلة والتناقض فاحشا إلي حد السخرية بين واقعنا وحقيقتنا.. بين ادعاءاتنا وطنطاناتنا. ونكمل غدا إن شاء الله.