%25 من الموازنة العامة للدولة أي ما يوازي 200 مليار جنيه تذهب كمخصصات للدعم سنويا ورغم ذلك فمعاناة الفقراء ومحدودي الدخل لا تنتهي ليستمر اهدار الدعم كما اعترف وزير التنمية الادارية المهندس هاني محمود مؤخراً. الخبراء وأساتذة الاقتصاد أكدوا أن غياب الإرادة السياسية للاصلاح وراء فشل الحكومات المتعاقبة في التصدي لهذه المشكلة حيث إن النظام الحالي للدعم مشوه ولم يؤد إلي تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعتبر الغاية والهدف لنظام الدعم. قالوا ليس مهما أن يكون الدعم عينيا أو نقديا ولكن المهم أن يحقق الهدف منه وهو حماية غير القادرين من ارتفاع الأسعار وضمان عدم ذهاب هذه الاموال الطائلة إلي جيوب السماسرة والوسطاء والقادرين. * د. طارق الدسوقي رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب النور أكد أن الدعم حق أصيل للمواطن خاصة الذي يقع تحت خط الفقر والدولة هنا لا تتفضل بتقديم هذا الدعم ولكنه واجب اساسي عليها والمشكلة أن نسبة 50% منه هي التي تذهب بالفعل للمستحقين والباقي يتم اهداره ما بين فاقد أو استيلاء الوسطاء والاغنياء عليه. أضاف أننا الآن في حاجة ماسة إلي هيكلة الدعم وليس تخفيضه كما يطالب البعض لأن هذا يخل بالسلام الاجتماعي ولكي يتحقق هذا يجب أن يكون لدينا قاعدة بيانات متكاملة عن المستحقين للدعم وتحديد للضوابط اللازمة واستهدافهم سواء كان دعماً نقديا أو عينيا ويفضل لو كان مشروطا بتحقيق الاسرة لمعدلات تعليم وصحة مرتفعة كالتحاق الابناء بالتعليم أو الالتزام ببرنامج التطعيم الاجباري لأننا في النهاية سوف نحصل علي أسرة متعلمة في سبيلها للخروج من دائرة الفقر. أوضح أن المشكلة التي عانينا منها لفترات طويلة وأدت إلي اهدار الدعم تتمثل في غياب الارادة السياسية للحكومات المعتاقبة خاصة بعد ثورة 25 يناير والتي اعتبرت نفسها حكومات مؤقتة ولم تقدم علي افعال حقيقية علي الارض ونحن نحتاج الآن إلي الاستقرار واستكمال وبناء مؤسسات الدولة والمجلس النيابي حتي يبدأ في اعادة هيكلة الدعم. ضوابط وقيود * محمود عسقلاني رئيس جمعية مكافحة الغلاء قال إن السبب الرئيسي في اهدار الدعم يعود الي ضعف الرقابة من جانب مؤسسات الدولة مما يؤدي إلي تسربه لغير مستحقيه وبدلا من ان نسعي لعلاج ذلك نحاول الآن ان نضع ضوابط وقيوداً علي صرفه مثل ان يرتبط بالبطاقات التموينية مثلما يتم التعكير في الخبز والبوتاجاز ونحن ليس لنا أي اعتراض علي ذلك بشرط ألا يؤدي هذا النظام في النهاية إلي خلق سوق سوداء وأزمة أكبر وهنا يحضرني مشكلة الدقيق التي نعاني منها حيث ان الدولة تدعمه بشكل كبير ولكن لعدم وجود الرقابة الحقيقية فإنه يتسرب للقادرين. أضاف ان عدم قدرة الدولة علي احكام قبضتها علي الدعم يزيد من عدد الفقراء ومعاناتهم فليس معقولا مثلا ان 1/4 لدعم المخصص للوقود في مصر يحصل عليه مصنع واحد للحديد وهو ما يعني عدم الانحياز للفقراء أو السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. أضاف أنه يرفض حرمان كل من يمتلك سيارة من دعم الوقود مؤكدا ان هذه قاعدة مجحفة ومضللة وغير عادلة ولا يمكن البناء عليها فهناك اشخاص يمتلكون سيارات يقل ثمنها عن ثمن بعض دراجات السباق التي يمكن ان يصل ثمنها الي 10 آلاف جنيه كما أن صاحب السيارة يستخدمها في توصيل أولاده إلي المدارس بدلا من تحمل تكلفة أكبر في توصيلهم والافضل من ذلك ان يحرم اصحاب بعض السيارات الفارهة مثل الهامر والأنواع الحديثة من المرسيدس من الدعم. سلبية خطيرة * د. علي لطفي أستاذ الاقتصاد ورئيس مجلس الوزراء الأسبق ان توصيل الدعم لمستحقيه مرهونا بعدد من الضوابط يجب أن نلتزم بها عند التنفيذ منها التحديد الدقيق لمن يستحق الدعم بالفعل واستبعاد من لا يستحق من خلال قاعدة بيانات متكاملة وان يكون الدعم النقدي كافيا بالفعل لتوفير الحياة الكريمة للأسرة الفقيرة وسهولة توصيله اليهم بالاضافة الي ضرورة اعادة النظر سنويا في قيمة الدعم بمعني ان يرتبط حدوث أي زيادات في الأسعار وان يكون وفقا لعدد أفراد الاسرة وليس رب الأسرة. الحماية الاجتماعية * د. علي عبدالرحمن مستشار وزير التموين الاسبق قال ان الدراسات تؤكد أن ثلاث ارباع السكان في مصر فقراء ويستحقون الدعم ولديهم استعداد لقبول أي نظام للدعم بشرط ان يوفر لهم الحياة الكريمة والقضاء علي المعاناة التي يعيشون في ظلها. أوضح أن الدعم أصبح في حاجة ماسة إلي اعادة هيكلة وليس ترشيد خاصة مع توقع وصول العجز في الموازنة الي 12% من الناتج المحلي في آخر السنة المالية الحالية وحصول الاغنياء علي النسبة الاعظم منه ويظهر هذا بوضوح في أن الكثير من دعم الطاقة يذهب علي سبيل المثال إلي غير المستحقين من كبار المستثمرين في الصناعات الثقيلة التي تحقق ارباحا طائلة. إعادة النظر * د. محمود عبدالحي استاذ الاقتصاد بالمعهد القومي للتخطيط أكد ان سياسة الدعم أديرت علي مدار 40 عاما بشكل خاطيء وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي فشلنا في توصيله لمستحقيه ويكفي ان نذكر ان إحدي الدراسات العلمية كشفت ان 66% من دعم الخبز تقريبا يتسرب لغير مستحقيه ويضيع من خلال الوسطاء والفاقد وهكذا في باقي السلع المدعومة. أوضح أن البطاقات الذكية قد تكون إحدي الوسائل الهامة لضمان وصول الدعم لمستحقيه ولكن تظل هناك مشكلة يجب حلها أولا وهي عدم وجود قاعدة بيانات نستطيع البناء عليها وتحديد من يستحق الدعم من عدمه وايضا لابد أن تكون هناك زيادة في الانتاجية حتي يحدث التوازن المطلوب بين مواردنا وبين احتياجات المواطنين التي زادت في المرحلة الحالية مع تراجع قيمة العمل بشكل كبير.