تعتبر الافلام الأمريكية ترجمة شبه فورية لتجليات الحياة السياسية. جميع الاحداث المهمة مرصودة علي الشاشة من خلال معالجات درامية.. علي سبيل المثال ستجد للدين المسيحي بايدولوجياته المتنوعة حكايات مستمدة من الكتاب المقدس وستجد الحروب العالمية الأولي والثانية والحروب الأهلية التي شاركت بها العسكرية الامريكية أو ما دار فوق أراضي الولاياتالمتحدة اعمال كثيرة تضم قائمة طويلة ومن زوايا مختلفة للمعارك. أيضا الحروب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والغربي بعد انتهاء المعارك الساخنة تحتل بدورها قائمة. والأعمال التي شنتها صناعة الفيلم الأمريكية ضد النازية ومعسكرات الإبادة ضد اليهود وبالأرقام الكبيرة التي روجت لها هوليوود وبالذات فيما يتعلق باعداد الضحايا المبالغ منها هذه الأعمال بطول حصرها سواء في المجال الروائي أو التسجيلي اضف إلي هذا الإرهاب العربي والصورة المشوهة للإنسان المسلم والمقاتل الفلسطيني وصراعات الشرق والغرب وفي سلاسل أفلام ألف ليلة وليلة وهناك العدو "الأصفر" "الصين" والأحمر "الشيوعي" والصراع ضد الفرس "إيران" وضد العرب لصالح إسرائيل.. فلا شيء متروك للصدفة. ولا فيلم تعتبره غير منحاز وهذا من طبائع الأمور حين يكون الصراع ظاهرا أو صعبا. ساخنا أو باردا. تاريخ هوليود ومنتجات صناعة الصورة تعد انعكاسا لسياسات الإدارة الأمريكية علي امتداد تاريخها ومن اكتشاف العالم الجديد الذي لا يتجاوز عدة قرون لا تزيد علي اصابع اليد الواحدة. من الموضوعات التي احتلت اهتمامات كتاب وصناع السينما من الولاياتالمتحدة موضوع "الانتخابات" الرئاسية والأعمال التي عالجت هذا الحدث الكبير كثيرة ومهمة وكاشفة بطبيعة الحال. ومنها ما يحتل مساحة كبيرة من الاهتمام وما يستحق بالفعل أن يشاهده المتفرج واعتقد ان قنوات التليفزيون العديدة المعتمدة علي المخزون السينمائي الامريكي بصفة خاصة عرضت بعض هذه الأعمال ومنها ما يمثل قيمة كبيرة من حيث مستواه الفني فيلم "الرئيس الأمريكي" نموذج و"خطبة الرئيس". وعادة ما تتكئ المعالجة علي الشرائط التسجيلية من أجل إضفاء قدر من المصداقية وحتي يكون الفيلم وثيقة للتاريخ وليس مجرد عمل ترخيص. الشيء اللافت أن هذه الأعمال تحقق نجاحا تجاريا وتنتشر في العالم عبر شبكة التوزيع الهائلة التي تختفي بعرض هذه الأعمال السينمائية المتكاملة موضوعيا وفنيا. من هذه الأفلام فيلم "الرئيس الأمريكي" "1995" للمخرج الامريكي رون راينر وكاتب السيناريو ارون سوركين. نفس الثنائي الذي حقق نجاحا كبيرا من خلال فيلمهما "حفنة رجال طيبون" الذي رشح للاوسكار "كأحسن فيلم" الفيلم يعكس النظرة النموذجية للسياسات الامريكية. يؤدي مايكل دوجلاس دور الرئيس ذو الميول اليسارية شديد الجاذبية الذي يفتن بسحره ناشطة في مجال البيئة تلعب دورها الممثلة انيت بينج. ويتناول الفيلم الصراع الذي يخوضه الرئيس ضد منافسه السيناتور اليميني "ريتشارد درفبوس" ويلعب دور المساعد والداعم القوي للرئيس ومستشاره وصديقه "مارتن شين" ودوره هنا يعتبر امتدادا لدور مشابه في مسلسل "الجناح الغربي" دور الرجل السياسي الناجح والفيلم يكشف قدرة كاتبه "سوركين" في تضمين عنصر الحوار دلالات صائبة وقوية ودالة علي فهم جوهر السياسات التي تحكم المناخ السياسي الامريكي حيث يشير الي حجم المشكلات العظيمة التي تعتبر اكبر من تلك التي خسرها. ويتساءل باستخدام نفس اللماصية "كم من الصبر تحتاجه حتي تواجه هؤلاء الذين يدعون حبهم لأمريكا" ولكن من الواضح انك لا تستطيع الصمود أمام الأمريكيين؟ والسؤال دهشة من الممكن ان يطرح امام من يريد دخول سباق الرئاسة هنا في مصر. وخصوصا ان "المشتاقين" للجلوس في الاتحادية لا يدركون أحجامهم الفعلية!! اللافت ان فيلم المخرج والسيناريست "راينر وسوركين" ينتمي إلي الكوميديا الرومانسية وقد اختار الاثنان البيت الابيض مكانا للأحداث التي تدور في عصر كلينتون ولكن في وقت لم تكن فضيحة مونيكا لوبيسكي قد تكشفت وكان كلينتون وقتئذ الرئيس الوسيم صاحب الكاريزما. يقول الناقد جاي فرناندز: ليس من الصعب تخيل المتعة التي يشعر بها الرئيس أوباما وهو يشاهد فيلم "الرئيس الامريكي" متمنيا ان تخفف من ثقل جماهيرية الرئيس "روني" "كلينتون" مثلما فعل مايكل دوجلاس في نهاية الفيلم. وتكشف الافلام التي تعالج موضوع الانتخابات الرئاسية الألعاب السياسية المستخدمة في حملات الدعاية والمقالب السياسية القذرة التي توظف لها قدرات ذهنية ومالية. ومن الأهمية أن تشير إلي الميزانيات الضخمة التي ترصد للأعمال السينمائية التي تعيد انتاج الحملات الانتخابية. والدعائية والميزانية الكبيرة التي تتحملها الشركة مقابل أجور النجوم الكبار الذين يلعبون بطولات هذه الافلام.. عن الانتخابات الامريكية "2004/2008" ظهر فيلم تسجيلي مهم يوثق لليومين تحت عنوان "Ehcho duy" مصورا الزخم الوطني والارادة مشيرا في نفس العمل إلي ايام التصويت والتجارب التي شهدتها لجان الانتخابات علي طول امتداد البلاد. وما جري في تلك الأيام بداية من الصباح الباكر وحتي ساعة متأخرة من الليل. وقد راعت المخرجة كاتي شفنجي ان تتابع التنوع الاجتماعي في كتلة الناخبين وتلقي الضوء علي المواطنين ذوي الياقات الزرقاء "العمال" الحريصين علي الالتزام والنظام والعمل وجاهدت المخرجة أن تلتزم بدورها الموضوعية في نقل الصورة. وقائمة الأفلام التي تناولت مثل هذه الأيام التاريخية التي تدون في تاريخ الشعوب تضم افلاما من نوعية "الانتخاب الافريقي" دراما تسجيلية سياسية و"كل رجال الرئيس" "1949/2006" و"ملائكة وشياطين" و"أحسن رجلا" "1964" و"بوب روبرتس" "1992" تأليف واخراج تيم روبنز وتبادل بأسلوب ساخر عملية صعود بوب رومرتز السياسي اليميني المحافظ كمرشح لرئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية. يتابع الفيلم الحملة الانتخابية التي مولها بأمواله الخاصة. الفيلم تدور احداثه في سلفانيا عام 1990 ويصور هذا المرشح الجمهوري المحافظ صاحب الموهبة الموسيقية ويستحضر الحملة الانتخابية التي دعمها قطاع كبير من الجمهور الامريكي. من اشهر الافلام التي عالجت الحملات الانتخابية الامريكية فيلم "مرشح مانشوريا" الذي انتج عام 1962 ثم اعيد انتاجه عام2004. احد الاعمال المشوقة والمثيرة المستوحاة من رواية بنفس العنوان ظهرت عام 1959 للكاتب ريتشارد كوندون وأيضا من الفيلم الذي سبقه مستعينا بنفس الرواية يقوم ببطولة النسخة الاخيرة الممثل دنزل واشنطن الذي يلعب دور سيناتور نائبا عن نيويورك ويسعي للترشيح إلي منصب نائب الرئيس الامريكي. ايضا فيلم "رجل العام" "2009" من اخراج لاري لينسون وبطولة روبين ويليام. وهو دراما كوميدية ساخرة بأجواء سياسية مستوحاة بقدر كبير من التصرف من الحياة الواقعية لجون ستيوارت "مواليد 1962" وهو سياسي امريكي وفنان ومؤلف ومقدم برامج وممثل وناقد وكوميديان وصاحب برنامج اخباري ساخر.. وهو النسخة الاصلية من التقليد المصري باسم يوسف. من أجمل الافلام الدعائية المصرية التي شاركت بقوة في الدعاية عن الدستور المصري فيلم ساندرا نشأت التسجيلي الذي استحضر بالصورة والصوت بورتريهات حية للشعب المصري وللفئات العاملة فيه التي تنتمي إلي الطبقات الصغيرة التي تحتل الشريحة الدنيا أو المتوسطة من السلم الاجتماعي. اللافت في فيلم ساندرا الروح المشعة الصادقة والتلقائية وسرعة الايقاع وخفة الروح بحيث شكلت اللقطات في مجموعها ألبوما مصريا مشبعا للمصريين في مواقعهم الحقيقية ولم يكن الفيلم في شكله النهائي عبر رؤية عميقة لشعب يعتبر لحمة واحدة وكيان واحد ولقطة واحدة طويلة متصلة ومتلاحمة. فيلم "دعائي" ربما ولكنه لا يدعو إلي زعيم ديكتاتوري مثل هتلر كلف العالم حربا عالمية قضت علي ملايين الشباب في معارك الحروب. ولا هو دعوة للفاشية لأنه لا يصور المؤسسة العسكرية. ولا وقع اقدام الجنود التي تهز الأرض هزا ولا رتل الدبابات وانما يقف امام الناس الحالمين بالحرية والخلاص من فاشية دينية أثبتت بالصوت والصورة وعلي مدي فترة حكم امتدت لسنة بأننا نرزخ تحت نظام وحشي مستعد أن يصعد ويبقي حتي لو اقتضي دماء المصريين وجماجمهم. انه فيلم "طريق" الناس علي سفر أو في الشوارع بالحقوق والكاميرا في حركة دينامية تتابعهم وتحاورهم. فلا يمكن مقارنة فيلم "شارك" بفيلم "انتصار الارادة" الألماني إلا إذا كان من يقارن لم يشاهد الفيلم الالماني.. ولا يمكن لاحد ان يتجاسر ويقارن فيلم المخرجة المصرية ساندرا بالمخرجة الألمانية ليني ريفتنتال التي طاردتها القوي الصهيونية عقابا لها علي تمجيد زعيم الماني متهم بإبادة اليهود. ساندرا ليست قسيسة وانما مصرية منتمية وفيلم "شارك" ابسط حدا وأرق بكثير من عمل دعائي كرست له دولة قوية مثل المانيا كل الامكانيات في ازهي مرحلة للنازية وربما كانت الصفة الوحيدة المشتركة بين الفيلمين انهما صناعة وطنية مدفوعة بالحب والايمان.. ولكن الاختلاف الهائل يكمن في الاجابة عن السؤال: حب من؟ "شارك" منحاز بصورة لا لبس فيها ولا تشكيك للشعب المصري وشرائحه البسيطة علي طول امتداد الوطن و"انتصار الارادة" عمل موجه بفعل آلة دعاية جبارة يقف وراء اشهر وزير دعاية في التاريخ "جوزيف جوبلز" والسياق السياسي والاجتماعي والتاريخي في ظروف صناعة العملين لا يمكن المقارنة بينهما. ساندرا قدمت فيلما "الديمقراطية" و"شارك" بأسلوب سينما الحقيقة. سينما لا تكذب ولا تتجمل ولكنها هنا محملة بالحب والانتماء الوطني الأصيل والرغبة في "المشاركة" فعلا.