هناك مشكلة دستورية وقانونية في منتهي الخطورة هي بمثابة "لغم" يهدد بنسف الدستور الجديد إذا ما تمت الموافقة عليه دون إجراء تعديل "كلمتين" حُشرا في الديباجة حَشراً بحسن أو بسوء نية. تقول الديباجة في احدي فقراتها: "نحن الآن نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة. حكومتها مدنية".. ومعني الحكومة المدنية انها لا تضم عسكريين أو رجال دين.. والسؤال هنا: كيف سيتم ذلك والمفروض أن يكون من بين وزرائها وزيران عسكريان هما وزير الدفاع ووزير الدولة للانتاج الحربي. وكذلك رجل دين هو وزير الأوقاف..؟؟ القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية وكذلك د. كمال الهلباوي القيادي الإخواني المنشق عن الجماعة أكدا علي عدم وجود أي مشكلة وقالا إن الديباجة إذا كانت قد نصت علي "حكومتها مدنية" فإن مضبطة الجلسات مثبت بها "حكمها مدني".. وان المضبطة يتم الاعتداد بما هو مسجل بها. كنت أتمني أن يكون هذا الكلام صحيحا.. ولكن .. مع احترامي الشديد جدا للقس البياضي والدكتور الهلباوي فإن رأيي الشخصي ان المضبطة لن يعتد بها لأن المادة 227 من الدستور تحدد صراحة ما يعتد به حيث تنص علي: "يشكل الدستور بديباجة وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً. وكلاً لا يتجزأ. وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة".. وواضح من النص ان "الديباجة والنصوص" أي المواد فقط هما اللذان يشكلان الوحدة العضوية المتماسكة.. وبالتالي تخرج المضبطة من هذه الوحدة العضوية. إذن.. ما هو شكل أول حكومة سيتم تشكيلها بعد اقرار الدستور؟؟ .. هل تضم الوزراء الثلاثة "الدفاع والدولة للانتاج الحربي والأوقاف" أم ستخلو تماما منهم علي ان تشكل لهم هيئات نوعية يرأس اثنتين منهما عسكريان والثالثة رجل دين وكل منهم بدرجة وزير؟؟.. وإذا ضمتهم الحكومة فهل سيكونون بصفاتهم العسكرية والدينية أم بصفات "مدنية"؟؟.. فإذا كانوا بالصفات العسكرية والدينية أليس من حق أي أحد الطعن بعدم دستورية تشكيل الحكومة التي يجب أن تكون مدنية كما تنص الديباجة؟؟.. وإذا كانوا "مدنيين" ألا يتعارض تعيين وزير دفاع "مدني" مع نص المادة 201 من الدستور التي تنص علي: "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ويعين من بين ضباطها" أي لابد أن يكون عسكريا؟؟.. ناهيك عن امكانية الطعن قبل حتي تشكيل الحكومة لوجود تعارض واضح بين تعبير "حكومتها مدنية" الموجود في الديباجة ونص المادة 201 التي تستوجب أن يكون وزير الدفاع عسكريا والذي هو أحد أعضاء هذه الحكومة المدنية..!! للأسف.. فإن السبب في هذه الورطة الدستورية هو حزب النور سواء بقصد أو بدون قصد.. فقد ضغط لحذف كلمة "مدنية" من المادة الأولي وكان نصها: "جمهورية مصر العربية دولة مدنية.. إلخ" ثم اقترحت لجنة الخمسين أن توضع الكلمة في الديباجة كصفة للحكم بأن تكون "حكمها مدني" ولكن حزب النور اعترض وضغط أيضا وفي "كلفتة" صارخة تلي علي الأعضاء أثناء التصويت "حكومتها مدنية" ولم ينتبه أحد إلي هذا التغيير الذي تم كرامة لحزب النور وهو في الواقع "لغم" ينسف الدستور كله. إذا كان رأي صحيحا فنحن إذن أمام كارثة حقيقية.. ولا أري حلا سوي ان يتخذ المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية قرارا بعد قراءة الديباجة بفكر وعين وضمير رئيس المحكمة الدستورية العليا بإعادة مسودة الدستور إلي لجنة الخمسين لاتخاذ أحد اجراءين: إما تغيير "حكومتها مدنية" إلي "حكمها مدني". أو حذف هذا التعبير كلية ومبروك علي النور تحقيق ما أراد.. ثم اجراء اعادة للتصويت علي الديباجة من جديد في الحالتين.. وبالمرة يتم تصحيح الأخطاء النحوية والاملائية في الديباجة مثل: "جاهدنا نحن المصريون للحاق بركب التقدم" وصحتها "نحن المصريين" لنصبها علي الاختصاص. وكذلك "حق الشعب في صنع مستقبلة" وصحتها "مستقبلة" بالهاء وليست بالتاء المربوطة. أعتقد أنه بهذا تتسق ديباجة الدستور مع مواده أو نصوصه ويشكلان فعلاً وقولاً نسيجاً مترابطاً وكلاً لا يتجزأ وتتكامل أحكام الدستور هنا في وحدة عضوية متماسكة.. وغير ذلك سيكون فيه تعطيل لخارطة المستقبل. العار .. والشرف عند عزف السلام الجمهوري في آخر جلسات لجنة الخمسين رأينا جميعا صورتين متناقضتين لا يفصل بينهما سوي دقيقة واحدة. الصورة الأولي عنوانها "العار".. حيث خرج ممثل حزب النور السلفي مسرعا إلي خارج القاعة بحجة الرد علي التليفون.. والحقيقة -ولا أحد يتهمنا بالدخول في النوايا- انه أراد الهروب من الوقوف لحظة عزف السلام الجمهوري.. لأن هذا التليفون مهما كانت أهميته أو كان مقام المتصل حتي لو كان رئيس الجمهورية فأعتقد انه كان الأولي أن يقف تحية واحتراما لرمز البلد ثم يرد علي التليفون كما يشاء أو يعيد هو الاتصال بمن اتصل به.. موقف قبيح لا ينم عن وطنية بالمرة.. مفيش فايدة. الصورة الثانية بعنوان "الشرف".. حيث تحامل ممثل ذوي الاحتياجات الخاصة علي مرضه وحالته وأصر علي الوقوف رغم الإجهاد الذي عاناه احتراما للسلام الجمهوري لبلاده وفخرا بها وبه.. ثم اصراره أيضا علي ترديد عبارة "تحيا مصر" في حماس شديد.. موقف محترم وكاشف وفاضح لمن يتحدثون عن اسلام ليس اسلامنا وعقيدة ليست عقيدتنا وأخلاق ليست أبداً أخلاقنا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.