ظهر مصطلح "القتل الرحيم" مرة أخري علي الساحة بعد أن أعلن مستشفي في المجر منذ أيام عن ولادة طفل بصحة جيدة رغم وفاة والدته إكلينيكياً ووضعها علي أجهزة الإنعاش لمدة 3 شهور بعد أن أصيبت بجلطة في الأسبوع الخامس عشر من حملها.. ولقد أتمت المتوفاة حملها وهي علي الأجهزة وولد الطفل بعد إجراء جراحة قيصرية في الأسبوع السابع والعشرين من الحمل. كانت أول دولتين في العالم أقرتا قانوناً يجيز الموت الرحيم في الحالات المستعصية هما هولندا وبلجيكا وبلغت نسبة حالات القتل الرحيم في هولندا وحدها العام الماضي 4188 حالة.. كما نشرت صحيفة أوبزرفر البريطانية أن الأطباء البريطانيين يساهمون في موت تطوعي لحوالي 20 ألفاً من المرضي كل عام. السؤال الذي يفرض نفسه طالما أن كافة أعضاء المتوفاة إكلينيكياً كانت تعمل بكفاءة طبيعية بدليل إنجاب هذا الطفل السليم بدنياً.. فهل يجوز رفع أجهزة الإعاشة عنها وقتلها عن عمد رغم أن قلبها مازال ينبض؟ يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن الإسلام أوجب علي الإنسان كل ما يطيل عمره والأخذ بالأسباب بالتداوي واللجوء للأطباء للشفاء من الأمراض وغيره مما يمد في حياته ويحافظ عليها ويحيا حياة طيبة سليمة معافاة.. كما حرم الاعتداء علي النفس البشرية حتي ولو كان اعتداء الإنسان علي حياته فكما حرم قتل الآخر حرم الانتحار والإضراب عن الطعام والدواء وأن يلقي الإنسان بنفسه في التهلكة وكل ما يؤذي صحته.. من هذا فإن الشريعة الإسلامية تحرم القتل الرحيم أو ما يقوم به الأطباء من نزع وسائل الإعاشة عن النفس البشرية سواء كانت تلك الوسائل تنفساً أو دواء أو غذاء بل يجب الإبقاء علي الحياة لأطول فترة ممكنة وبذل كل الإمكانيات للحفاظ عليها لعل الله يجعل للمريض مخرجاً. لا يعتد به أضاف أن الموت الإكلينيكي أو الدماغي كما يطلق عليه الأطباء لا يعتد به من الناحية الفقهية لأن الموت هو مغادرة الروح للجسد مغادرة تامة تستحيل معها الحياة لذلك لا يجب قتل المريض الذي لديه ولو أمل ضئيل في الشفاء واستعادة الحياة مرة أخري خاصة في ظل التقدم السريع للعلم في مجال الطب وعلي المريض والطبيب أن يتركا الأمر لله سبحانه وتعالي يقدر الأمور كيفما يشاء. يري د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر أن القتل بدافع الرحمة مخالف لشرع الله مهما كانت شدة آلام المريض ويعتبر تدخلاً في إرادة الله سبحانه وتعالي فالطبيب ليس أرحم علي المريض من خالقه سبحانه.. إلا أن هناك بعض الحالات الإنسانية التي تتطلب الرحمة بأهل المريض حيث إن نفقات العلاج بالمستشفي تكون باهظة ومن ورائه ذرية في أمس الحاجة إلي المال لسد حاجياتهم وعدم تعرضهم للحاجة بعد وفاته وفي ذات الوقت فرصة عودة مريضهم للحياة معدومة فالقلب ينبض بفعل الأجهزة ولكن المخ وباقي الأجهزة الحيوية قد ماتت وتوقفت تماماً عن العمل وقتها يجوز فصل الأجهزة عنه والرضا بقضاء الله. أما في حالة أن يطلب مريض من الطبيب قتله ليتخلص من آلامه وعذاب مرضه فهذا لا يجوز أبداً ومحرم شرعاً وجريمة كبري لقوله تعالي "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" وقوله جل علاه "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً".. فالمريض مهما كان مرضه وحالته ويأسه من الشفاء يحرم قتله فالآجال بيد الله والإنسان لا يملك أمر روحه فكيف له أن يأذن لنفسه أو لغيره بالقضاء عليها لأن الله هو من وهبه الحياة وهو الذي يقرر موعد موته وعلي الإنسان أن يحافظ علي أن يحافظ علي النعمة والأمانة التي وهبها الله إياها بكل ما أوتي من قوة. أكد د.محمد الزهار استشاري الباطنة والقلب أنه في حالة تقنين القتل الرحيم كما يحدث في بعض دول الغرب فإن هناك خطورة من استسهال بعض الأطباء والممرضين ذوي الضمائر الخربة بعدم تطبيق العلاج التسكيني واللجوء للقتل باسم الرحمة مشيراً إلي أن الطبيب في هذه الحالة يفقد مصداقيته كمعالج من المفترض أن يحافظ علي الحياة قدر المستطاع إلي متحكم في الوفاة وهو ما يفرغ مهنة الطب من محتواها الإنساني ويفقدها هدفها النبيل. قال إن هناك الكثير من الوسائل التي يمكن من خلالها التخفيف عن المرضي آلامهم ومعاناة أهاليهم مثل إقامة مستشفيات خاصة تكون مهمتها استضافة مثل هذه الحالات يشرف عليها مجموعة من المتخصصين الذين يمنحون الأمل بصفة مستمرة للمريض وأهله لأن هناك حالات تكون مستعصية تماماً وتشفي في اللحظات الأخيرة.. لذلك لا أحبذ فكرة القتل الرحيم. رأي القانون أكد المستشار أشرف هلال القاضي بمحكمة استئناف القاهرة أن القتل الرحيم يعتبر جريمة قتل متكاملة الأركان المادية والمعنوية رغم الآليات الفنية التي تعتمد عليها في تنفيذ الجريمة ورغم اشتراك عدة فئات في اتخاذ القرار مثل الطبيب وذوي المريض والمريض نفسه إذا كان بكامل قواه العقلية. أشار إلي أن الشفقة وحاجة المريض للتخلص من آلامه تنفي عن الجريمة وقوعها فالقاتل انتهك جميع القيم الإنسانية وسهل كمجرم موت نفس بريئة وهذا أمر لا يقبل الشك أو اللف والدوران ويضعه تحت المساءلة القانونية التي قد تصل عقوبتها للإعدام إذا ثبت تعمده للقتل.. أما إذا كان هناك خطأ في ارتكاب الجريمة فهذا يعد إهمالاً وجنحة تصل عقوبتها لثلاث سنوات.