في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتسعت دائرة الدولة الاسلامية وحين أراد اختيار تاريخ لتسجيل الرسائل والمهام الخاصة بشئون الدولة خاصة بعد أن اتسعت دائرتها من الجزيرة العربية الي العراق ومصر والشام وغيرها من البلدان. أخذ عمر رضي الله عنه يبحث ومعه كبار الصحابة وفي النهاية تم الاتفاق علي اختيار أهم حدث في تاريخ الأمة الإسلامية. فكان في مقدمة الأولويات حادث يوم الهجرة للرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم واصحابه من مكة إلي المدينةالمنورة. وقد كان اختيارا موفقا لأنه حدث كان من نتائجه وحدة الصف بين أهل مكة واخوانهم من المدينةالمنورة.. حيث التقي الفريقان علي قلب رجل واحد بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. ومنذ هذا التاريخ تم تسجيل التاريخ الهجري علي كل المكاتبات الصادرة بين أمير المؤمنين وقادة الإمارات التي تقع في دائرة الدولة الاسلامية. وفي كل عام يتم الاحتفال بالعام الهجري احتفاء بهذه المناسبة التي تظل علامة بارزة في تاريخ الأمة الاسلامية التي تجاوزت اعدادها هذه الأيام أكثر من مليار ونصف المليار نسمة. يجتمعون تحت راية الاسلام التي أرسي دعائمها سيد الخلق محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم. وكان من أولويات هذه الدعائم غرس الإيمان والحب في قلوب هؤلاء الذين استجابوا لدعوته. لقد استطاع الرسول صلي الله عليه وسلم انتزاع الكراهية والبغضاء من النفوس بأسلوب سهل وبسيط يتمثل في سلوكياته الحميدة. حسن الخلق وعدم مقابلة السيئة بالسيئة وإنما كان يقابل السيئة بالحسنة فتألفت القلوب وكان توفيق الله حليفه فالتف الصحابة حوله. قوة.. وحب وإيمان ترسخ في القلوب وتعلموا من الرسول كل اسباب التواصل بين بعضهم البعض. ولعل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ابلغ دليل في انصهار الفريقين في بوتقة واحدة وبذلك أخذت هذه الدولة تخطو بخطوات منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده. الحب والإيمان أقوي الروابط بين الرسول وأصحابه. يكفي هؤلاء فخرا أن رب العالمين أشاد بهم من فوق سبع سماوات ويجدر بنا ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديدا أن نضع هذه الآيات القرآنية نصب أعيننا لعلنا نستوعب الدرس وتعود الألفة والمحبة بين أبناء العالم الاسلامي. هذه الآيات في سورة الحشر يقول ربنا : "للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك الصادقون. والذين تبوأو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" 8. 9 سورة الحشر. إنها دروس متعددة ليت المسلمين هذه الأيام يستلهمونها في حياتهم لعل وحدة الصف تعود اليهم بدلاً من هذا التشرذم الذي يعيشون في ظلاله بالاضافة الي الخلافات التي أدت الي تفسخ العلاقات فيما بينهم خاصة بعد هذه الاختلافات التي وصلت الي حد القطيعة فيما بينهم. ولا سبيل أمامهم سوي العودة الي الدعائم التي وضع قواعدها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وفي هذه المناسبة أيضا يجدر بنا أن نستعرض بطولات هؤلاء الرجال الذين وقفوا بجوار الرسول وكانوا بحق نجوماً في العمل الجاد وبذل أقصي الجهد في سبيل رفعة هذه الأمة الاسلامية. لم يسعوا الي شهرة أو تحقيق مجد شخصي وإنما كان كل الهدف ابتغاء مرضاة الله والحرص علي الحب والايمان الذي استقر في وجدانهم منذ أيام الرسول صلي الله عليه وسلم. سجلات هؤلاء الرجال حافلة بالعطاء في كل شئون الحياة ليتنا نستلهم هذه البطولات وتلك الأمجاد لعل الأمة الاسلامية تتبوأ مكانتها بين العالم. ولا يفوتنا أن نضع نموذجا من سجلات هؤلاء الذين تمكن الإيمان والحب في قلوبهم ومن هؤلاء زيد بن الذئبة. فقد اسره المشركون في غزوة الرجيع واشتراه صفوان بن أمية ليقتله.. وحين جاء يوم قتله اجتمع الناس ليشاهدوا عملية القتل. فتم صلبه وبينما هو علي هذه الحالة جاءه أبوسفيان ابن حرب وقال له : انشدك الله يازيد اتحب أن يكون محمداً في مكانك حيث تضرب عنقك. فصاح زيد بصوت جهوري حاد وقال : والله ما أحب أن يصيب محمداً وهو في مكانه أي شوكة.. أمام هذا الاصرار قال ابوسفيان : والله ما رأيت من الناس يحب أحداً كحب اصحاب محمد.. تلك لمحة سريعة من تلك البطولات والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. ليتنا نعود الي هذه السجلات. ونستعرض هذه البطولات والتضحيات التي سوف تظل صورة مضيئة علي مدي الأيام وفي كل مناسبة نحتفل بها بعام هجري جديد.