الهجرة عيد.. بقرار بطرس غالي

حكاية كل عصر

في 12 نوفمبر عام 1908 اختار الخديوي عباس حلمي الثاني رئيسا جديدا للوزارة هو "بطرس باشا غالي" ولكنه تردد قليلاً لأنه قبطي فأشار عليه صديقه الصدوق ومستشاره الأول "اسماعيل باشا أباظة" فأثني علي هذا الاختيار وتحمس له.. ولكن "الدون جورست" المعتمد البريطاني في مصر كما ذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديوي تساءل: إذا كان تعيين رئيس وزراء مسيحي ألا يثير هذا اعتراض المسلمين أم انهم راضون عن هذا الاختيار؟
فأجاب الخديوي أن مصر شهدت نوبار باشا رئيسا للحكومة وقد كان مسيحياً وأجنبياً. أما بطرس غالي فهو علي الأقل مصري.
وبالفعل رحبت جميع الأوساط المصرية وخصوصاً من المسلمين بهذا الاختيار.
وعندما بدأ بطرس غالي عمله في الوزارة اتخذ قراراً مهماً بأن يكون احتفال مصر بيوم الهجرة "هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام" عيداً دينياً لكل المصريين.
وسار المنادي في البلاد يعلن بأن الحكومة قررت أن يكون أول أيام السنة الهجرية التي توافق يوم السبت أول محرم عام 1327 هجرية الموافق 23 يناير 1909 عيداً تعطل فيه نظارات ووزارات الحكومة ومصالحها والمدارس ودور العلم وباقي الجهات.. وذلك في كل عام.
يقول أحمد حسين في كتابه موسوعة تاريخ مصر الجزء الرابع: "انه هكذا تقررت العطلة الرسمية لأعظم مناسبة إسلامية في عهد رئيس وزراء قبطي وليس ذلك إلا دليلاً علي عمق مصريته.. فما دامت أغلبية البلاد مسلمة فعلي رئيس حكومتها ان يحترم مشاعر هذه الأغلبية المسلمة حتي ولو كان مسيحياً".
احتفل المصريون بهذا اليوم بمجرد سماعهم بقرار الحكومة وأقيم احتفال بدار التمثيل العربي وألقي حافظ ابراهيم قصيدة عصماء وعمت الحفلات كل القطر المصري..
وفي 12 يناير عام 1910 أي في العام التالي لصدور قرار اعتبار أول ايام الهجرة عيداً رسمياً. أقام الشباب المصري عدة احتفالات وألقيت فيها القصائد والتواشيح.. وعمت الفرحة طول البلاد وعرضها. وهكذا صار يوم هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلي المدينة عيداً منذ صدور قرار القبطي بطرس غالي باشا به قبل 104 سنوات ميلادية "108 سنوات هجرية" وقد احتفل به المصريون ولكن تحت وطأة الاحتلال البريطاني.. واليوم يتكرر الاحتفال ولكن في ظل ظروف بالغة التعقيد فعلتها الجماعة التي حملت اسم الاخوان المسلمين.. لقد فعلوا في البلاد ما لم يفعله أحد من قبل.. تصرفوا برعونة وإرهاب أكثر من تصرفات المحتل البريطاني والغريب انهم مصريون ولكن ارادتهم وافكارهم وقراراتهم تأتي إليهم من الخارج!!