همس الدون جورست المعتمد البريطاني في مصر لبعض الأقباط ومن بينهم مطران أسيوط يحرضهم علي عقد مؤتمر خاص بالاقباط ويعبرون فيه عن آرائهم وطلباتهم.. وانتشرت الهمسات في معظم بلاد القطر المصري.. وتحولت الهمسات إلي اجتماعات ترتب وتنظم لهذا المؤتمر.. كان هذا الكلام مع بداية عام 1910 ووصل إلي مسامع الخديو عباس حلمي الثاني وكلف أحد رجال القصر ببحث هذا الأمر لأنه قد يؤدي إلي عواقب وخيمة. ويقول أحمد شفيق باشا في مذكراته سمعنا بفكرة عقد مؤتمر قبطي لبحث مطالب الاقباط وشكواهم وكان ذلك في الأيام الأولي من عام 1910 وقابلت بطرس باشا غالي ناظر النظار "رئيس الوزراء" وتحدثت معه في أمر هذا المؤتمر الذي يبث الفرقة بين أبناء الوطن ويؤدي إلي عواقب وخيمة.. ولكنه طمأنه بأن الحركة التي تطالب وتسعي وتعد لعقد المؤتمر لا خوف منها وانه لا يسمح باستفحالها. ويضيف شفيق باشا.. وبعد هذه المتابعة بنحو شهر تم اغتيال بطرس غالي باشا في 10 فبراير. وأدي هذا الحادث إلي أن ازدادت الحركة قوة واعتبر كثير من الاقباط ان الجريمة ارتكبت بدافع التعصب الديني وبدأت الصحف القبطية سيلا من البرقيات لبعض الاقباط يعبرون فيها عن قلقهم العظيم وتطالب بالالتجاء إلي دولة قوية لتكون عونا لهم في المستقبل وعدم منح المصريين الدستور والالتجاء إلي عموم الدول الاوروبية للنظر فيما آلت إليه حالتهم. والغريب كما يقول أحمد حسين في كتابه "موسوعة تاريخ مصر" ان حملة الاقباط لم تقف عند هذا الحد بل بعثوا بقريا قوص افندي ميخائيل إلي لندن ليشرح مطالبهم للانجليز. المهم ان مطران أسيوط ومعه بعض الأعيان نجحوا في عقد المؤتمر القبطي في المدة من 5 إلي 8 مارس 1911 وجاء في تقرير المعتمد البريطاني أن هذا المؤتمر حضره 500 شخص يمثلون 12 الف قبطي من مجموعة الأقباط البالغ عددهم 700 ألف قبطي.. وخرجت عنهم قرارات تدعو لاعتبار يوم الأحد اجازة اسبوعية بجانب يوم الجمعة وأن يكون الاختيار للوظيفة يعتمد علي عنصر الكفاءة وغير ذلك من القرارات.. وقد أثار هذا المؤتمر مشاعر المسلمين وأجمعوا علي ضرورة عقد مؤتمر اسلامي مصري يرد علي المؤتمر القبطي.. وأدرك عقلاء الأمة وحكماؤها من المسلمين والأقباط أن مثل هذا المؤتمر قد يحدث ردود فعل غاضبة ويحدث ما لا تحمد عقباه.. وان كان هناك خطأ من بعض الاقباط فهذا لا يبرر خطأ المسلمين ونجح ناظر النظار مصطفي رياض باشا وأحمد لطفي السيد في عقد المؤتمر المصري الذي جمع المسلمين والاقباط في مؤتمر واحد. وفي يوم 29 ابريل سنة 1911 التقي نحو 5 آلاف من جميع المديريات والطبقات في القاعة الكبري بفندق هليوبوليس بمصر الجديدة "مقر رئاسة الجمهورية حاليا" وخطب الخطباء وتحدث المحاضرون وتمت مناقشة كل الآراء التي اقرها المؤتمر القبطي. المهم أن أحمد لطفي السيد قرأ تقرير اللجنة التحضيرية الذي يقول إن المؤتمر يتوخي التوفيق بين العناصر التي تتألف منها الوحدة الوطنية التي تصدع بناؤها بعقد المؤتمر القبطي وأن الدين ليس هو الاساس الذي تقوم عليه الأقلية والأكثرية ولكنها لمذاهب سياسية. وكان لهذا المؤتمر أثر كبير في اطفاء الفتنة ولم شمل المصريين.. وكتبت صحيفة "التيمز" اللندنية ان خدمة المصالح وتحقيقها لا تكون بتوسيع المسافة بين المسلمين والأقباط ولا بالمخاطرة بالشكوي من الحكومة المصرية. وهكذا انتهت فتنة كادت تؤدي بالبلاد إلي التهلكة. ويري احمد حسين ان المؤتمر المصري هو أحد معالم الطريق نحو التطور والنجاح وهو ما ظهر أثره في ثورة 1919 عندما التقي الجميع مسلمين واقباطا تحت شعار "يحيا اتحاد الهلال مع الصليب". ومضت مائة عام بالتمام والكمال.. ليعود ظهور الفتنة من جديد بين المسلمين والأقباط.. فتنة لا معني لها وضربا للوحدة الوطنية.