عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    واشنطن بوست: أمريكا دعت قطر إلى طرد حماس حال رفض الصفقة مع إسرائيل    "جمع متعلقاته ورحل".. أفشة يفاجئ كولر بتصرف غريب بسبب مباراة الجونة    كولر يرتدي القناع الفني في استبعاد أفشة (خاص)    الأرصاد الجوية: شبورة مائية صباحًا والقاهرة تُسجل 31 درجة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات يعلق على أزمة رمضان صبحي    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    التموين تتحفظ على 2 طن أسماك فاسدة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 4 مايو 2024    هيثم نبيل يكشف علاقته بالمخرج محمد سامي: أصدقاء منذ الطفولة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    فوزي لقجع يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة الاتحاد الأفريقي    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تفتح ملف اغتيال بطرس باشا غالى فى الذكرى المئوية الأولى (2)

تواصل «المصرى اليوم» نشر أوراق ملف اغتيال بطرس باشا غالى، رئيس وزراء مصر فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى، الذى قادته لهذا المصير أدواره المثيرة للجدل بعدما ترأس محكمة دنشواى، ووقع اتفاقية السودان، وأقر قانون النفى الإدارى، وقيد حرية الصحافة، وأيد مد امتياز قناة السويس.
صحيح أن معظمها أدوار قام بها بحكم منصبه، أى بصفته لا بشخصه، وتنفيذاً لتعليمات عليا، إلا أنها أثارت حنق الحركة الوطنية، ودفعت الشاب إبراهيم ناصف الوردانى لاتخاذ قراره باغتيال «الباشا» يوم الأحد 20 فبراير 1910، فى واحدة من أخطر الجرائم السياسية التى شهدتها مصر فى القرن العشرين، وفى هذه الحلقة نتابع ما جرى فى جنازة رئيس الوزراء، ووقائع محاكمة الجانى.
«غالى» فى آخر كلماته: يعلم الله أنى ما أتيت أمراً يضر بلادى و«الوردانى» لحظة إعدامه: أشهد أن الحرية والاستقلال من آيات الله
قرر الجناب العالى تشييع جنازة الفقيد، بطرس باشا غالى، فى اليوم التالى للحادث، فى احتفال رسمى على نفقة الحكومة، وأن يسير المشهد يوم الثلاثاء فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا من مستشفى ملتون بباب اللوق إلى الكنيسة المرقسية ومنها إلى دير أنبا رويس، وقد بدأت مراسم الجنازة بحمل النعش من الكنيسة إلى المدفن بعربة يجرها ثمانية من الجياد واثنتى عشرة عربة مملوءة بأكاليل الزهور.
وبكّر الناس فى صباح يوم الثلاثاء إلى الأحياء التى تسير منها جنازة فقيد مصر حتى خلت المنازل والقصور من سكانها وتعطلت كل الأعمال والسيارات وعربات الترام وأغلقت المصارف المالية ونكست الأعلام على جميع المبانى الأميرية والقنصليات وفى كل مكان، وأخذت الأجراس تدق. وفى منتصف الساعة الحادية عشرة شيعت الجنازة فى موكب لم تر له مصر مثيلاً حتى فى وفيات ملوكها وأمرائها.
وتقدم الموكب فرسان البوليس المصرى، فرجال المدفعية الإنجليزية فرجال الجيش المصرى، فكبار ضباط الإنجليز والمصريين فى الجيش المصرى، فتلاميذ المدرسة الحربية، فشمامسة الكنيسة المرقسية الكبرى، وفى حضور كل من السير ألدون جورست والسير بول هارفى المستشار المالى، ومحمد سعيد باشا وحسين باشا رشدى. وكان فى مقدمة المشيعين جميع الوزراء ودولة الأمير محمد على بالنيابة عن الجناب العالى، والأمير حسين كامل (السلطان فيما بعد)، والأمير كمال الدين حسين، ورؤوف باشا القومسير العثمانى، ومصطفى باشا رياض، ونزل النعش محمولاً على أيدى عساكر البوليس، حيث كانت عربة من عربات المدافع المصرية يجرها ستة جياد واقفة بالانتظار،
وكان الجيش الإنجليزى قد أرسل عربة أخرى من عربات مدافعه لنقل الفقيد، فشكر أهل الفقيد واعتذروا بوجود العربة المصرية، ثم لف النعش بالعلم المصرى، ووضع على المركبة وفوقه سيف الفقيد ونيشانه العثمانى، ومشى على جانبها حاجبان يحملان نياشين الفقيد العديدة ومن ثم واروه التراب بين جمع غفير، وتقدم من حاملى أبسطة الرحمة التى يبلغ عددها الخمسة الأمير محمد على نيابة عن الخديو عباس حلمى الثانى، وبعد الصلاة وقف نيافة الأنبا لوكاس مطران قنا مؤبنًا الفقيد.
وقد قام الخديو بتعزية أبنائه وأخيه أمين باشا غالى فى بيتهم بعد الوفاة، وهى المرة الأولى التى يقوم فيها الخديو بزيارة منزل أحد المصريين تقديرًا منه لدور بطرس غالى.
وبعد الحادث صرح إدوارد جراى، وزير الخارجية البريطانى، فى مجلس العموم بأن «الموقف فى مصر عقب اغتيال بطرس غالى غير مرض، وأن إنجلترا يجب أن تظهر فى مصر القوة، وأنه إذا استمرت موجة العداء ضدنا فلن نمضى قدمًا فى تهيئة المصريين لحكم أنفسهم فنحن فى مصر أوصياء على أبناء مصر وأوصياء عن أوروبا وأوصياء عن العالم».
كما أشار المعتمد البريطانى ألدون جورست، فى تقريره السنوى إلى تاريخ بطرس غالى فى حياة مصر قائلاً: «ومن غرائب الأقدار أن تقع الضربة التى نجمت عن تحريض أولئك الذين يلقبون أنفسهم بالوطنيين، على أول رجل من صميم المصريين بلغ أرفع منزلة فى خدمة بلاده.. تقلد منصب الوزارة فى سنة 1893، فعين ناظرًا للمالية، وفى السنة التالية عين ناظرًا للخارجية، وبقى فيها إلى يوم وفاته،
ولما اعتزل مصطفى باشا فهمى رئاسة مجلس النظار فى نوفمبر 1908 كلفه الخديو فألف الوزارة التى انتهت على غير انتظار بوفاته وأرانى فى غنى عن تعداد الخدمات الجليلة التى خدم بلاده بها ووصف الولاء والأمانة اللذين أظهرهما فى أحوال صعبة ومآزق حرجة فإن ذلك كله معروف ومشهور، فموته الآن خسارة على مصر لا تعوض، وسينقضى زمان طويل قبل أن يجد الخديو خادماً يفوقه إخلاصًا ومقدرة وولاء».
أما الباشا المغدور فقد كانت آخر كلماته قبل رحيله: «يعلم الله أنى ما أتيت أمرًا يضر ببلادى.. لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفى وما كان يمكن أن أعترض».. ثم قال: «ويسندون إلى حادث دنشواى ولم أكن منها ولا هى منى ولكنها أقوال سادت فأساءت.. إن هى إلا غباوة ضعيف صارت وقوة قدير بطشت فتوسطت بينهما كما توسط المصلح بين المتخاصمين فنالنا من شرها ما نال».
ثم قال: «أما عن قانون المطبوعات فهذا عهد كونه لم ينفذ وإنه من اختصاص نظارة الداخلية»، وأضاف: «أما أعمالى فى المحاكم فليس فيها ما يؤخذ على، لذلك تفضل على المنتقدون فضربوا عنها صفحًا وكذلك مجالس المديريات وحضور النظار مجالس الشورى وتبادل الآراء بين النظار والأعضاء.. كل على قدر وسعة واختياره وعلمه وفضله».
ثم سكت بطرس باشا وردد آخر كلماته مع خروج روحه: «فليعلم الله والناس أنى ما أوتيت فى ذلك ما يضر بلادى».
وفى تصريح لشيخ الأزهر عقب اغتيال بطرس غالى، قال: «إن ذلك المسيحى عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر على عمله كثير منهم»
وقد تبارى الشعراء فى رثاء الفقيد خاصة أمير الشعراء أحمد بك شوقى، الذى رثى الفقيد بقصيدة مطلعها: «قبر الوزير تحية وسلامًا..الحلم والمعروف فيك أقاما، ومحاسن الأخلاق فيك تغيبت.. عاماً وسوف تغيب أعواما، قد كنت صومعة فصرت كنيسة.. فى ظلها صلىّ المطيف وصاما، القوم حولك يا ابن غالى خشع.. يقضون حقا واجبا وزماما، والرأى للتاريخ فيك ففى غد.. يزن الرجال وينطق الأحكاما».
التحقيق وإجراءات المحاكمة
اجتمع مجلس النظار عند الخديو إلى منتصف الساعة الثامنة مساء بعد الحادث، وكان التحقيق آنذاك قد بدأ فى قسم عابدين، فكان ناظر الحقانية ينتقل بين القسم والقصر لينقل تطور التحقيق. وفى الساعة التاسعة مساء عاد الخديو إلى قصر القبة وإلى جانبه طبيبه كاوسكى بك.
أما التحقيق فقد استمر فى القسم وتولته فى بادئ الأمر ثلاث هيئات: (الهيئة الأولى مكونة من ناظرى الداخلية والحقانية والحكمدار)، وكانت تقوم بسؤال المتهم وخادمه، وبعض ذوى قرباه والمتصلين به. الهيئة الثانية مكونة من رئاسة مأمور الضبط بمحافظة العاصمة المسيو فيليبدس بك، وكانت تدرس الأوراق التى ضبطت فى بيته، والهيئة الثالثة مكونة من رئاسة بدر الدين بك مدير الضبط بنظارة الداخلية وكانت تقوم بسؤال الذين وردت أسماؤهم فى تلك الأوراق.
وعندما ألقى القبض على الوردانى، وقد قيدوه بحبل من ذراعيه ويديه وأدخلوه فى إحدى غرف النظارة ووجدوا فى جيوبه أربعا وعشرين رصاصة، وخمسة وسبعين قرشًا وساعة فضية، وقبل أن يفتح معه محضر التحقيق الرسمى، سأله وكيل الحقانية: لماذا فعلت فعلتك بالباشا، فأجاب غاضبًا: «لأنه خائن للوطن، وأنا غير نادم على فعلتى». وكان الوردانى يسير والقيود فى يديه رافع الرأس رابط الجأش كأنه لم يرتكب شيئًا. وذكر فى التحقيق الابتدائى أنه لم يؤلمه شىء إلا ضرب حسين رشدى باشا له إذ لم يكن يظنه يقبح (عملاً وطنيًا) مثل عمله.
اعترف الوردانى فى بداية التحقيق بأنه قتل المجنى عليه لأنه خان وطنه وكان مصممًا على قتله من أشهر بعيدة، ولكنه لم يتعمد إنفاذ فكرته إلا عقب إعلان الاتفاق الجديد مع شركة قنال السويس، وعدد من خيانته أن الأسباب التى دفعته إلى التفكير فى قتله، منها قبوله رئاسة محكمة دنشواى، وتوقيعه اتفاقية السودان، وإخراجه قانون المطبوعات، وإهانته مجلس الشورى والجمعية العمومية، وذكر فى أقواله أنه ليس متصلاً بإحدى الجمعيات الفوضوية لأن مبدأ الفوضوية هو التخريب وهو ضد مبدئه فهو دستورى محب للنظام. وهذا المبدأ هو الذى جعله يرتكب هذه الجريمة لأنه فى البلاد الدستورية يجب سقوط الوزارة وتخليها عن الأعمال متى فقدت ثقة مجلس النواب لها، أى أن الأمة لا تريدها.
وفى يوم 3 مارس فى التحقيق كتب الوردانى إقرارًا بخط يده: «أنا الذى قتلت بطرس باشا كبير الوزراء المصريين فى يوم الأحد الساعة واحدة إفرنجى مساء لاعتقادى أن الرجل خائن لوطنه وأن سياسته ضارة لبلاده، ولست أسفاً على ما ارتكبته لأنى أرى ذلك خدمة فى بلادى».
فرد عليه فتحى زغلول باشا قائلاً: «يا مسكين لو عرفت أنه أكبر وأصدق وطنى فى خدمة البلاد ما فعلت فعلتك»، ثم تولى النائب العام تحقيقه مع إبراهيم الوردانى، وكان النائب العام آنذاك هو عبدالخالق ثروت باشا.
ذكر الوردانى أنه القاتل الوحيد دون أن يشترك معه أحد وأنه يوم السبت قبل الحادث كان مع كل من شفيق منصور وصادق سعد، وكانت وجهته النادى لمقابلة الدكتور حافظ عفيفى.
وحينما ووجه بسؤال عن طبيعة الحديث الذى دار بينه وبين شفيق منصور وصادق سعد أجاب بأنه كلام عادى وأقسم بالله العظيم وبأغلظ الأيمان أنه لم يتكلم مع أحد بما كان مصممًا عليه. وقال إنه توجه ليلة السبت 19 فبراير أيضًا إلى النادى لتجهيز بعض الأوراق الخاصة بلجنة الإرساليات العلمية.
وقد تولى النائب العمومى ثروت باشا التحقيق وسئل عدة أشخاص ممن كانت لهم علاقة بالوردانى، ممن وجدت صورهم وأسماؤهم معه أثناء القبض عليه، فضلاً عما كان معه من أوراق تخص الحزب الوطنى أو أشخاصًا فيه وكان فى مقدمة هؤلاء محمد فريد والذى قرر: «أنه عرف الجانى منذ سنة 1906 فى جينيف حيث كان أمينا عاماً لصندوق جمعية الطلبة المصريين بها، وأن هذه الجمعية أسست لمساعدة الطلبة المصريين الذين يفدون إلى جينيف.
«وقد خلت مذكرات محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، من هذا الحادث وقت وقوعه، وهذا إن دل يدل على الصدمة التى لحقت بالحزب من جراء وقوع هذا الحادث الضخم وبعيد الأثر فى حياة البلاد والذى كاد يفرق وحدتها إلى دهر من الزمان لولا أن كانت ثورة 1919 فجمعت شمل المسلمين والأقباط كأوثق ما يكون».
وإذا كان القاتل من شباب الحزب الوطنى فقد تشعب التحقيق، واتجهت تهمة الاشتراك فى الجناية إلى لفيف من شباب الحزب، وقبض على كثيرين منهم ثم أفرج عن بعضهم.
قرار الاتهام:
فى الثالث عشر من مارس 1910، أذاع عبدالخالق ثروت النائب العمومى قرار الاتهام فى قضية الوردانى التى حملت قضية الجناية رقم 14 عابدين 1910 وأقامت النيابة الدعوى العمومية على «إبراهيم ناصف الوردانى»، وعلى ثمانية بتهمة المشاركة فى الجريمة، باعتبارهم جميعًا أعضاء فى جمعية من مبادئها استعمال القوة فى الوصول لأغراضها، وأن جريمة القتل كانت نتيجة محتملة لهذا الاتفاق، وهم:
1- إبراهيم ناصف الوردانى- 25 سنة – كيماوى ومقيم فى مصر.
2- على أفندى مراد – 24 سنة – مهندس رى بالفيوم.
3- محمود أفندى أنيس – 28 سنة – مهندس رى بالمنيا.
4- شفيق أفندى منصور -22 سنة - طالب بمدرسة الحقوق.
5- عبده أفندى البرقوقى – 24 سنة - طالب بمدرسة الحقوق بمصر.
6- عبدالعزيز أفندى رفعت - 23 سنة - مهندس تنظيم.
7- عبدالخالق أفندى عطية – 24 سنة - محام.
8- محمد أفندى كمال – 22 سنة - طالب بالمهندسخانة.
9- حبيب حسن أفندى – 25 سنة – مدرس بمدرسة خليل أغا.
واعتبرتهم النيابة شركاء فى الجريمة المذكورة آنفاً طبقاً لنص المواد 194، 40، 43 من قانون العقوبات – وأكدت أنهم أعضاء مع المتهم الأول فى جمعية من مبادئها استعمال القوة فى الوصول إلى أغراضها ، وبذلك يكونون قد اتفقوا على استعمال القوة فى تنفيذ تلك الأغراض وأن جريمة القتل التى ارتكبها المتهم الأول هى نتيجة محتملة لهذا الاتفاق، «لذلك تطلب النيابة من حضرة قاضى الإحالة أن يحيل المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد الآنف ذكرها».
وفى 21 مارس 1910 أحيل المتهمون جميعًا إلى قاضى الإحالة بمحكمة مصر الأهلية متولى بك غنيم، وقد نظرت القضية أمامه، وصدر القرار ببراءة الأشخاص الثمانية من تهمة الاشتراك فى قتل بطرس غالى وقصر التهمة على الوردانى. وقال القاضى إن الأوجه التى حددها القانون للاشتراك فى الجريمة لم تتوافر فى هؤلاء الثمانية.
فضلاً عن ذلك، فإنه ثابت أن أعمال الجمعية وقفت منذ شهر يونيو 1909، أى قبل وقوع الجريمة بسبعة أشهر تقريبًا، ولم يثبت حصول مراسلة بين أعضائها أو اجتماع منهم بخصوص العمل باتفاقهم فى غضون تلك المدة بل ثبت العكس اشتغال المتهمين بأعمالهم الشخصية دون غيرها، فإنه ثابت من اعتراف المتهم الأول الاعتراف الصريح الذى ثبت عليه من أول التحقيق إلى منتهاه أنه ارتكب جريمته وحده دون علم رفقائه وبأسباب معينة وهى إمضاء المجنى عليه على اتفاقية السودان وإعادة قانون المطبوعات وسعيه فى تجديد امتياز قناة السويس.
وقرر القاضى ثانيًا: إحالة إبراهيم أفندى ناصف الوردانى إلى محكمة جنايات مصر المحدد لانعقاد دورها يوم السبت الثانى من أبريل 1910 لمحاكمته بمقتضى المادة (194) عقوبات. وجاء فى قرار القاضى استمرار حبس المتهم على ذمة هذه القضية وقد أفرج عن المتهمين الآخرين بعد دخولهم السجن بنصف ساعة.
وتولى الدفاع عن المتهمين أحمد بك لطفى، وإسماعيل شيمى بك، ومحمود بك فهمى حسين، محمد على علوبة بك، والأستاذ محمود بسيونى، أحمد عبد اللطيف بك، والأستاذ مصطفى عزت، أما الوردانى فقد وجهت إليه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهى جريمة عقوبتها الإعدام، وحوكم أمام محكمة جنايات، وكانت برئاسة المستر دلبروجلى وعضوية أمين بك على، وعبد الحميد بك رضا المستشارين، وجلس فى كرسى النيابة عبد الخالق ثروت باشا، النائب العام، وتولى الدفاع عن المتهم كل من أحمد بك لطفى، وإبراهيم بك الهلباوى، ومحمود بك أبوالنصر.
وتركز دفاع المحامين فى البحث عن السبب الذى أدى إلى وفاة بطرس أنه بعد موت بطرس لم تجر عملية تشريح له لمعرفة سبب الوفاة، فدفع المحامون بأن وفاة بطرس غالى لم تنشأ مباشرة عن رصاص مسدس الوردانى، ولكن عن العملية الجراحية التى أجريت له بالمستشفى على إثر الحادثة والتى لم تكن ضرورية وأنها هى التى أدت إلى وفاته.
وقد كثر القول فى تأييد هذا الرأى حتى إن المحكمة نفسها رأت أنه من الضرورى أن تطلب النظر فى الأمر من قبل لجنة طبية خاصة ومؤلفة من طبيبين إنجليزيين وطبيب مصرى. وقد انقسمت أراء هذه اللجنة فكان من رأى الطبيبين الإنجليزيين أن الجراح التى نشأت عن عمل الوردانى جراح قاتلة، فى حين أن الطبيب المصرى قرر أنه لولا العملية التى لم تكن هناك حاجة لها لظل بطرس باشا على قيد الحياة. وتأجلت القضية لجلسة 12 مايو لتقدم اللجنة تقريرها.
ولم يكن أمام المحامين نقطة أخرى يبنون عليها دفاعهم، فالمتهم كتب إقراراً بارتكابه الجريمة بخط يده.
وأصدرت المحكمة حكمها بتاريخ 18 مايو 1910 برفض ما طلبه الدفاع من إحالة المتهم إلى لجنة طبية لمراقبته حيث ثبت فى يقين المحكمة سلامة قواه العقلية، وثانياً إرسال القضية لفضيلة مفتى الديار المصرية، ورفع محامو الوردانى طعنًا على هذا الحكم أمام محكمة النقض التى رفضت نقضه.
وقد قام عبدالخالق باشا ثروت الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق فى القضية، وقد ذكر فى مرافعته أن: «الجريمة المنظورة أمام المحكمة هى جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها بدعة ابتدعها الوردانى بعد أن كان القطر المصرى طاهراً منها ثم طالب بالإعدام للوردانى».
إعدام الوردانى:
وفى الساعة الخامسة والدقيقة 45 دخل وكيل المحافظة والحكمدار وطبيب السجن ومأموره إلى سجن الاستئناف وذهبوا إلى غرفة الإعدام ثم جىء بإبراهيم ناصف الوردانى ووضع الحبل فى عنقه الساعة الخامسة والدقيقة 50، وتلا عليه مأمور السجن حكم الإعدام فقال الوردانى: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الحرية والاستقلال من آيات الله»، ثم قابل الموت بجأش ثابت ثم فتحت الهوة فهوى، وبعد قليل حمل إلى غرفة التشريح وشرحت جثته حسب العادة وغسل وكفن وسارت عربة السجن توًا إلى مقابر الإمام الشافعى يحرسها بعض رجال البوليس السرى من راكبى الدراجات، ودفنت فى مقابر عائلته.
وقد منع الجمهور ومندوبو الصحف من مشاهدة تنفيذ الحكم، فكان من وراء ذلك أن أصبح الوردانى أول شهيد وطنى، واضطر البوليس إلى أن يجتهد لمنع التجمهر حول قبره. وعن المحاكمة المذكورة، فلقد رفض المفتى الأكبر، لأسباب شرعية، أن يصدر الفتوى الضرورية فى المصادقة على الحكم بالإعدام، ولكن تم تجاهل تلك الفتوى وأعدم الوردانى سرًا اتباعًا لخطة وضعها اللورد كرومر.
د.خالد عزب
المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة
صفاء خليفة
باحثة فى مشروع ذاكرة مصر المعاصرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.