الهجوم الذي تعرض له الدكتور علي جمعة - مفتي الجمهورية السابق - من بعض طلاب جامعة القاهرة أثار استياء بالغا ندد به علماء الأزهر وغيرهم الذين أكدوا أن هذا التصرف يفرض العديد من التساؤلات منها لماذا افتقدنا لغة الحوار الهادئ وأين مبادئ الإسلام التي حثتنا علي احترام العلماء والمسنين.. وألم يعلم طلاب العلم أن إيذاء عالم إيذاء لله ورسوله؟.. وما السبل التي يجب اتخاذها لمواجهة هذه الحماقات؟ استنكر فضيلة الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية - ما قام به عدد من طلاب جامعة القاهرة بالاعتداء اللفظي علي الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء خلال مناقشته لرسالة علمية بكلية دار العلوم وقال: إن ما حدث يعتد اعتداء غير مقبول علي أحد أعلام علماء الأزهر الشريف المشهود له بالعلم والصلاح والذي حقق إنجازا وتطورا كبيرا في دار الإفتاء خلال فترة توليه منصب الإفتاء. أكد د. علام أن علماء الأزهر الشريف عامة ورموزه علي وجه الخصوص يجب احترامهم وإجلالهم لما يحملونه من دين الله ومن ميراث سيد المرسلين - صلي الله عليه وسلم - فالعلماء ورثة الأنبياء.. مشيرا إلي أن توقير العلماء هو توقير لشرع الله والتعدي عليهم يؤذي الله ورسوله لقول عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - "من آذي فقهيا فقد آذي رسول الله.. ومن آذي رسول الله فقد آذي الله عز وجل". ناشد المفتي شباب الجامعات وغيرهم بالتعبير عن رأيهم بأدب دون تجريح أو سب أو انتقاص من أحد وألا ينجرفوا وراء مشاعر الغضب التي توقع الإنسان في التهلكة وتنتقص إيمانه قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء". تعاليم الإسلام يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن تعاليم الإسلام مليئة بالمبادئ والأخلاق القويمة التي من شأنها أن تقوّم من سلوك النشء وتربي فيهم الأخلاق الحميدة.. وقد كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قدوة المسلمين في ذلك.. حيث كان حريصا علي أن يعلم أولاده لغة الحوار الهادئ فقد لقي السيدة فاطمة - رضي الله عنها - في بعض طرقات المدينة فقال لها من أين أتيت قالت: أتيت من هذا الحي لأعزيهم في ميتهم فقال لها أما لو ذهبت إلي المقابر فلن تدخلي الجنة حتي يدخلها جد أبيك. هذا الحوار الهادئ القائم علي الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة أو بينهم وبين الغير هو منهج الإسلام.. ولهذا فإن الله - سبحانه وتعالي - أمر المسلمين بأن يقولوا للناس حسني فقال - جل شأنه - "وقولوا للناس حسني". كما راعي الإسلام في علائق الناس بعضهم ببعض تقديم الأكبر سنا علي الغير. يضاف إلي هذا أن الإسلام دعا إلي الحوار بطرح القضايا علي الحاضرين وأخذ الآراء عليها مدعمة بوجهات النظر المختلفة والنقاش حولها قبولا أو ردا دون تسفيه لرأي أحد ودون مصادرة لرأي أحد ودون تعصب لرأي الغير. ولهذا - كما يؤكد د. إدريس - لم نسمع شيئا عن خلافات الصحابة حيث كانوا يختلفون في كثير من القضايا ولم يصدر منهم لصاحب رأي كلاما غير لائق أو حكما بتكفير أو تفسيق أو تبديع مما يدل علي أن هناك قبولا في آراء الغير دون تعصب لرأي أو تعنت في تفنيد رأي آخر. هذا هو منهج الإسلام.. وهذا ما ربي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أصحابه عليه وقد أمرنا باتباع نهجه وأدبه لأن هذا النهج وهذا الأدب هو الذي رباه الله عليه وأدبه فأحسن تأديبه. أما ما حدث في الأمس القريب من تهجم علي عالم فيقول د. إدريس إن هذا تصرف بعيد كل البعد عن الأخلاق ولا يصدر إلا من السوقة الذين تربوا في الشوارع ولا يتخلقوا بأي خلق سماوي أو غيره. فإذا كان هذا هو الشباب المنسوب إلي الجامعات أو إلي حاضر هذه الأمة فهي أمة نكبت في شبابها.. وإذا كانوا منسوبين إلي جامعة بعينها فعار علي جامعة أن تحوي بين جنباتها هؤلاء السوقة والرعاع لأنها لا يليق بها أن تعلم هؤلاء أو أن تمنحهم شهادة علمية. انهيار الأخلاق يؤكد الشيخ منصور الرفاعي عبيد - وكيل وزارة الأوقاف الأسبق - أن من الآثار السيئة التي أصيب بها المجتمع انهيار الأخلاق.. والمعروف أن الأخلاق هي الأساس الأول والركيزة الدائمة لعلو المجتمع ونهضته والقيام بدوره في الإنتاج والتقدم الصناعي والزراعي والتجاري. ولذلك هتف الشاعر قديما "بالعلم والمال يبني الناس ملكهم.. لم يبن ملك علي جهل وإقلال". فالأخلاق هي الركيزة لنهوض المجتمع والحكم عليه بالبقاء والدوام والاستمرار في أداء واجبه الدولي. أما إذا أصيب المجتمع في أخلاق أبنائه فأصيبوا بالتعصب وجنود الفكر وعدم الحوار فقد قال فيهم القائل "وإذا أصيب القوم في أخلاقهم.. فأقم عليهم مأثما وعويلا". يبدي الشيخ منصور استغرابه فيقول إن الإنسان يعجب أن المساجد مليئة بالشباب يصلون ولكن أين واقع الصلاة في حياتهم الاجتماعية.. ألم يقل الله سبحانه وتعالي "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون" ويقول في آيات أخري "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتي يخوضوا في حديث غيره". والرسول - صلي الله عليه وسلم - يقول: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه". وما قرأنا عنه وسمعنا به من تهجم بعض الشباب علي شيخ فاضل وعالم قدير وشخصية مرموقة تتمتع بخلق طيب وسماحة واعتدال في الرأي.. هؤلاء الشباب الذين تهجموا علي مثل هذه الشخصية ماذا نقول لهم "عيب" فهذه كلمة لا يعرفون معناها ولا يدركون مغزاها.. لكننا نقول لهم هذه صفاقة ووقاحة وتطاول؟! ويتساءل أمسلمون الذين فعلوا ذلك أطلب علم ومعرفة؟.. نعتقد أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية ينفيان الإسلام عمن يتطاول علي العلماء ويسيء إليهم خاصة المعتدلين في الرأي وأصحاب الرأي الواضح والمعلومية الدينية المؤصلة. لذلك نحن نهيب بشبابنا ونقول لهم "الأدب فضلوه علي العلم" وأمة لا تقدر علماءها محكوم عليها بالضياع والفشل والخروج من الإسلام فالله تعالي يقول "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".. أي درجات في الكرامة والعزة والسعادة فأين نحن من تعاليم الإسلام؟