ليس أمامي من تحليل دقيق لتصرفات جماعة الإخوان إلا أن أشبههم بطفل أمسك بعصفور بين يديه فغمرته الفرحة وظل يلهو به.. ثم في لحظة من النشوة غاب فيها حذره فانفرجت يداه ليطير العصفور في الأجواء الفسيحة متخلصاً من الأسر ولينعم بحريته!! لكن الطفل لم يصدق أنه فقد العصفور إلي الأبد فانتابته نوبة حزن شديدة ورغم ذلك أخذ يمني نفسه بأن العصفور سيعود إليه طائعاً مفضلاً الحبس في قفص حديدي علي الحرية التي عادت إليه والأجواء التي انطلق فيها محلقاً. الإخوان مازالوا يحلمون بعودة الدكتور محمد مرسي إلي كرسي الرئاسة حتي قياداتهم.. ويبدو أن صدمة ضياع العصفور من بين أيديهم جعلتهم يعيشون في الخيال أو يحلمون أحلام يقظة. ولم يرق تفكيرهم أو تفكير أحدهم علي الأقل ليقرأ الواقع وحقائقه ويدرك أن كل الأمور تسير إلي الأمام إلي مستقبل جديد وأن العودة إلي ما كان موجوداً قبل 30 يونيو 2013 اندرجت في قائمة المستحيلات. من هنا كانت نصيحة الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل لاثنين من قيادات الجماعة هما الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية السابق والدكتور عمرو دراج وزير التخطيط السابق في لقائه معهما في بيته بمنطقة "برقاش" بالجيزة عندما تحدث الاثنان معه عن "عودة الشرعية" أن قال لهما: لا داعي لأن نتكلم عن شرعية لأن الشرعية في مراحل الانتقال مجرد لحظة.. ثم قال: هناك الآن وضع جديد وحقائق راهنة ومن يريد أن يتكلم عليه أن يبدأ من هذه الحقائق ويستند إليها. ونقلت الصحف أن البحث في لقاء هيكل مع بشر ودراج تناول ضرورة تحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلد بما يكفل له الاستقرار من أجل مواجهة التحديات التي تقف في طريق أمنه القومي وأفضل السبل للخروج من الأزمة الراهنة. اللقاء بين القياديين الإخوانيين والأستاذ هيكل عمل إيجابي في حد ذاته ودليل نية طيبة منهما لمحاولة الخروج من الأزمة الحالية من خلال الانتفاع بخبرة وتجارب وحيادية الأستاذ هيكل.. ولكن السؤال: هل الإخوان لديهم النية فعلاً للاستفادة من نصائح هيكل؟! أم أنهم يستمعون فقط ثم يتصرفون طبقاً لخططهم وتصوراتهم التي يرون أنها هي الأصلح لهم؟ هذا الاجتماع يذكرني بلقاء الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي الذي طلب الاستماع إلي وجهة نظر الأستاذ هيكل والتقي به فعلاً في مقر الرئاسة وعلي ما أتذكر دام اللقاء نحو الساعة ونصف الساعة.. ولا شك أن الأستاذ قدم النصيحة خالصة للرئيس السابق لكنه سمع بأذن واحدة ليخرج الكلام من الأذن الثانية واستمرت الجماعة في تنفيذ مخططها الاستحواذي حتي سقطت ولم تنفعها نصائح هيكل أو غيره ولا حتي نصائح مستشاري الرئيس علي كثرتهم. ولو كانت الجماعة تريد استقرار مصر والخروج من الأزمة الراهنة لكانت قد دعت ميليشياتها لوضع السلاح والامتناع عن ممارسة الأعمال الإرهابية ضد الشعب والشرطة والجيش والانخراط في مسيرة بناء المستقبل بالمشاركة في كل الفاعليات الجارية الآن لأنه لا أحد يريد أن يقصيهم من المشهد إذا التزموا بالواقع الجديد ورضوا به عن قناعة.. لا أحد يريد أن يخطئ خطأهم عندما استأثروا وأقصوا الآخرين. الإخوان- في اعتقادي- فكرهم لا يمكن أن يتغير بسهولة.. وهم كما سبق أن شبهتهم من قبل كقطار يسير علي قضبان لغاية محددة ولا يمكن له أن ينعطف يميناً أو شمالاً.. وقد أعلنوا التحدي للشعب وللدولة.. ومازالوا يعلنون عن خطط لشل القاهرة والجيزة مع بدء العام الدراسي الجديد- كما ذكرت الصحف. وتتضمن خططهم محاولة أخري لتعطيل مترو الأنفاق. ووقف الحركة في 16 شارعاً رئيسياً حيوياً و4 كباري والاعتصام في وسائل النقل العام.. كل ذلك إلي جانب ممارسة الإرهاب في مناطق عديدة. ورغم ذلك فقد شكوا من خلال الدكتور بشر والدكتور دراج إلي الأستاذ هيكل بأن هناك محاولات لشيطنتهم في الشارع المصري.. الأمر الذي دفع الأستاذ أن ينصحهم بنسيان كل شيء إلا مصلحة الوطن.. مدللاً بأنه تجاوز جريمة حرق مزرعته في برقاش. وبالمناسبة لم تذكر الأنباء أن بشر ودراج اعتذرا للأستاذ عن هذه الجريمة التي برأهم منها الأستاذ فهمي هويدي!! بل إنهما لم يبديا أسفهما لوقوعها!! ثم تشكو الجماعة من محاولات شيطنتهم في الشارع المصري.. في الوقت الذي يجب علينا أن نعتبرهم من الملائكة الأخيار!!.