يبدو أننا سنظل نبحث في قضايا الفساد إلي ما لا نهاية والناس معذورون لأن ما يُقال ويُكتب في الصحف.. ويروي علي شاشات المحطات الفضائية يثير الدهشة خصوصاً ان مرتكبي وقائع الفسد هم من كبار المسئولين.. ولأنهم كانوا لا يتورعون عن الاستيلاء علي المال العام بكل صورة.. وقبول هدايا غير معقولة من حيث القيمة. والأكثر من ذلك فإن كل من تولي منصباً كبيراً كان أو صغيراً يتصرف وكأنها عزبة.. فالرقابة غائبة والقوانين لا تُفعْل.. والكل يفعل ما يريد من أفعال دون أن يمنعهم أحد. ولهذا كانت رائحة الفساد عندنا أقوي كثيراً من رائحته في بلاد أخري. وما حدث في مصر خلال السنوات الثلاثين السابقة وما قبلها له جذور عميقة عبر آلاف السنين ويخيل إليّ أن ما يجري الآن هو صورة لما حدث في نهاية حكم الملك إخناتون سنة 1335 قبل الميلاد عندما حدثت فتنة في البلاد وعمت الفوضي وانتشر الفساد في كل المجالات.. وضاع الحق وانعدمت الرقابة وهاجمت القبائل مدن فلسطين وأرسل الوالي المصري ببيت المقدس صرخة إلي إخناتون لينقذ ما بقي لمصر من ولايات في اسيا.. ولكن دون أن يتحرك.. واندفعت نران الثورة ضد إخناتون. وسط كل هذا ظهر حور محب وهو واحد من أبناء الشعب ليقود ثورة أخري ضد الفساد وضد تسلط الكهنة وكان أول ما فعله هو إصدار قانون حور محب الذي يحتوي علي مواد تعتبر الأولي في محاربة الفساد لكي يعيد الاستقرار إلي البلاد. يؤكد المؤرخون أن ما جاء في هذا القانون يصلح لكل زمان ومكان إذ جاء فيه مثلاً أنه محظور علي الموظفين الماليين والإداريين اضطهاد الفقراء ولو أن أحد الصيارفة اضطهد فقيراً وتجاوز في معاملته حدود القانون حكم عليه "بجدع" أنفح والنفي إلي مدينة "تاروا" القنطرة حالياً. كانت الشرطة تتبع مَثَل "حاميها حراميها" فقرر حور محب معاقبة كل شرطي حرامي عقاباً صارماً ورد كل ما سرقه وجلده مائة جلدة وأن يجرح في خمسة مواضع من جسده. كما كان محظوراً علي كل موظف أو كاهن أن يستولي بغير حق علي أي شيء من متعلقات الناس وإذا حدث فإنه يخضع لعقاب صارم. لم ينس حور محب القضاة.. فقرر زيادة مرتباتهم وإعفاءهم من دفع الضرائب حتي يمنع الرشوة.. وحتي لا يكون لهم عذر في اتباع وسائل غير شريفة.. وقال موجهاً حديثه ل "القضاة": لا تأخذوا الرشوة من أحد أياً كان وإلا فكيف يمكنكم أن تحكموا بالعدل وبالقانون.. إذا كنتم أنفسكم جناة علي القانون؟ هكذا أصلح حور محب أحوال المملكة المصرية.. وما أحوجنا هذه الأيام إلي تطبيق نفس المواد.