لا يستطيع أحد أن يجادل في حتمية مواجهة الإرهاب بكل قوة وصرامة.. ودون رحمة أو هوادة.. والضرب بالحديد والنار علي يد كل من يحاول المساس بأمن هذا البلد واستقراره. أو ترويع المواطن وتهديده في عمله أو بيته أو في الطريق العام. ولا يجرؤ أحد علي القول بالتهاون مع المجرمين القتلة الذين يخرجون من جحورهم كالأفاعي لينشروا سمومهم ويسددوا لدغاتهم للمجتمع في لحظة غدر مباغتة. يروح ضحيتها الأبرياء من أبناء الوطن الذين لا ذنب لهم ولا جريرة. سوي أنهم وضعوا أرواحهم علي أكفهم.. وحرموا عيونهم من النوم للسهر علي أمن وأمان المواطن. ومهما كانت الدوافع اللحظية والآنية.. لارتكاب جرائم الإرهاب وتدمير الوطن ونشر الرعب فيه.. فإن هناك عوامل عديدة متجذرة في أعماق التربة الثقافية للمجتمع تدفع البعض للقيام بمثل هذه الأعمال. ومعني ذلك.. أنه إذا كانت المواجهة الأمنية ضرورة حتمية كإجراء سريع الردع لهؤلاء المجرمين القتلة.. فإن هناك إجراءات أخري عديدة علي المدي الطويل. يجب البدء بها من الآن وبلا إبطاء أو تأجيل. حتي وإن كان مردودها غير سريع.. لكن نتائجها ستكون أكثر مفعولاً وأقوي أثراً وأبعد عمقاً من غيرها. ولعل ما ذكره الدكتور حسام عيسي نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي في اجتماع اللجنة الوزارية للثقافة. منذ أيام.. يؤكد علي ذلك.. فقد شدد الوزير علي "أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة في بناء الشخصية المصرية من خلال دعم الهوية والتمسك بالقيم والأخلاق والعادات المستمدة من التاريخ المصري والعربي". ولا جديد في القول إننا في حاجة ماسة لاستخدام المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية بأبعادها المختلفة. وهذا بعض ما جاء في اجتماع اللجنة.. فنحن كثيراً ما سمعنا مثل هذا الكلام في ظروف كثيرة مشابهة في الماضي. عندما كان يحدث هجوم إرهابي علي السياح أو اعتداء علي رجال الشرطة وغير ذلك..!! مثل هذا الكلام وغيره مما كان يردده الساسة في كل مناسبة لم يكن سوي نوع من "الطنطنة" السياسية لزوم الشيء.. ثم لا نجد لهذا الكلام أثراً علي أرض الواقع وسرعان ما يذهب طي النسيان. حتي يقع حادث إرهابي آخر فنجد هذا الكلام يتردد علي أسماعنا من جديد.. وهكذا دواليك!! نحن نعيش الآن عهد الثورة.. والقضية العاجلة الآن تتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار ووضع الدستور الجديد وإقامة مؤسسات الدولة علي أسس حديثة واتباع سياسات وبرامج عمل مغايرة تماما لما كان يحدث في الماضي.. لابد أن نعطي الأولوية لإعادة بناء الإنسان المصري عقلياً ووجدانياً وثقافياً وعلمياً.. وإعادة توزيع موارد الدولة وتسخيرها لخلق أجيال جديدة قادرة علي التفكير وإعمال العقل علي المستوي العام.. ليصبح لدينا أجيال تتسم بالوعي وامتلاك الإرادة وحرية التفكير وليس الانسياق الأعمي وراء كل من يحاول إجراء عمليات "غسيل مخ" لها. سواء من الجانب الرسمي أو من جماعات وتنظيمات غير رسمية..!! صحيح.. أن الارتقاء بالبنية العقلية والفكرية للمجتمع ككل ليست بالأمر الهين.. ولا بالعملية السهلة.. كما أن النتيجة قد لا تكون "مريحة" بالنسبة للحاكم أو الحكومة.. لكن المؤكد أنها سوف تمنع البعض من الوصول إلي حد الانزلاق في مستنقع الإرهاب والدخول في حالة مواجهة مسلحة ضد المجتمع..!! لقد ثبت خطأ مقولة: "ان المجتمع الجاهل أسلس قياداً من المجتمع المتعلم" فالشعب الجاهل أشد خطراً وأصعب مراساً.. والفرد الجاهل هو قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة.. ويسهل السيطرة عليه وتوجيهه لتدمير نفسه وغيره! لن ينصلح حالنا.. ولن تستقر الأمور.. ولن يهدأ الوطن إلا باجتثاث الإرهاب من جذوره.. ولن يتحقق ذلك إلا بالاستثمار في البنية التحتية للمواطن وليس البنية التحتية بمفهومها المعروف فقط والمتمثلة في الطرق والمرافق وغيرها..!! المواطن وتوعية تفكيره وسلوكه هو الأهم وهو الأجدر بالاستثمار فيه.. والنهوض به وبوعيه.. ليس من خلال الإعلام فقط.. ولا التعليم فقط.. ولا المؤسسات الدينية فقط.. وإنما وفق منظومة متكاملة تشمل كل ذلك. ضمن إطار عام من المباديء والأسس والأخلاقيات والمعايير التي تحكم عمل جميع مؤسسات الدولة مع وضع العقوبات الرادعة لكل من يخرج علي هذه المباديء والأسس والأخلاقيات والمعايير!! ** أفكار مضغوطة: من لا يستطيعون تغيير أفكارهم.. لا يستطيعون تغيير أي شيء! "جورج برنارد شو" كاتب بريطاني