الظاهرة التي تعانيها أقطارنا العربية. أو حكام المنطقة علي وجه التحديد. هي الحساسية البالغة من كل إشارة إلي سلبية. كأنهم يتصورن المجتمعات التي تخضع لحكمهم مبرأة من الخطأ. أو العيب. أو الخروج عن الطرق التي ألزموها بالسير فيها. أذكر أنني تحدثت في فكرة الكتابة عن التجربة الخليجية إلي أستاذنا يحيي حقي. وأشرت إلي بعض السلبيات التي ربما توقف أمامها. فقال لي يحيي حقي بعفويته المتسامحة: حاذر أن تبصق في الإناء الذي أكلت فيه!! كانت نصيحة يحيي حقي في بالي من قبل أن يصارحني بها. ذلك لأن الخليج ليس مجرد منطقة أمضيت فيها ما يزيد علي تسع سنوات. إنها ذكريات وصداقات وأفكار ودروس عملية واستلهامات ومواقف. وقرارات وتعرف إلي عوالم مغايرة قريبة وبعيدة.. والكثير مما كتبته يدين تلك الفترة الطويلة. الخصبة. في حياتي. تعمدت في روايتي "الخليج" أن أستغني عن الكثير مما تعرفت إليه في الحياة الخليجية. حتي ما بدت الرواية لكي تكتمل ملامحها في حاجة إليه. وثمة ثلاثة مقالات كتبتها في مجلة "الدراسات الإعلامية" التي كان يتولي رئاسة تحريرها صديقي الكاتب الكبير الراحل صلاح الدين حافظ. دفعتني إلي مراجعة ما كتبت. وإعادة المراجعة. في بالي صداقات أحياها. وإشفاق ومودة. وحنين وحب. ومشاعر طيبة أخري كثيرة. من أخطر المشكلات: ازدواجية التناول إن جاز التعبير في معظم الأقطار العربية. الإعلام العربي بعامة يناقش القضايا المصرية في ضوء حرية الإعلام.. حتي ما يُعد في صميم القضايا الداخلية للدول. تتناوله صحف الوطن العربي. تقبل وترفض وتقسو في النقد أحياناً. ارتكازاً إلي أن مصر بلداً عربياً. ونقد الأوضاع العربية حق لكل المتكلمين بلغة الضاد. بصرف النظر عن اختلاف الأقطار. فإذا نشأت مشكلة في هذا القطر أو ذاك. فإنه ما تلبث أن تغيب تلك النظرة الحضارية الواعية. وتنشأ مسكلات الرقابة. والخوف من المصادرة. ومنع الدعم الحكومي. وتأثر المورد الإعلاني.. لا أعني بذلك الإدانة. وإنما أتناوله كظاهرة. أتاح لي اقترابي من الحياة العربية ملاحظتها. بل إن الملاحظات تمتد بالضرورة. فتشمل التصرفات الفردية للمصريين خارج حدود الوطن. اللافت أن صحف الخليج والوطن العربي بعامة تتحدث عن التأثيرات السلبية للعمالة الآسيوية الوافدة. والاعتماد علي مورد شبه ثابت. والانفصام الحاد بين الحاكمين والمحكومين. وغلبة الاستهلاك علي الإنتاج بما يلغي المقارنة.. ذلك كله وغيره يتحدث عنه المثقفون العرب في صحفهم. أو في مجالسهم الخاصة. ويشيرون إلي حتمية التغيير. بزيادة أعداد المتعلمين. وبهبوب رياح التقدم من خلال وسائل الإعلام الحديثة. واتساقاً مع المتغيرات العالمية في كل المجالات. إذا كنت وغيري من الكُتَّاب المصريين نتناول بعض السلبيات في جوانب الحياة الخليجية. فإن الإطار الذي تتحرك فيه محاولاتنا هو التعاطف والمشاركة. ومناقشة المشكلات بالإحساس نفسه الذي نناقش من خلال المشكلات المصرية.