أسجل بعض العبارات: ربما أشعر بأهمية اللحظة أو مكانتي المتحققة! الجو تحتله الغيوم. أمست السماء كل السماء وكراً غربياً للشمس. احتجبت اليوم عن الظهور وكأنها تعاني وعكة اقعدتها طريحة الفراش. أتجول علي المسرح بين الانام في هذا الجو الرومانسي البارد. لا أمتثل لأوامر المخرج يزعق: يتجمع الكل في يمين الخشبة. تجدني في أقصي اليسار ممسكا بورقة عليها بعض الكلمات. تقصدني فتاة مدبقة باللحم الابيض الرقيق: لا أدري أن كان وجودها تلبية لأوامر المخرج! تبادرني بالسؤال: أتجهز للخطبة؟ أدس الورقة في جيبي. ألف ليواجهني وجهها الذي أعرفه منذ سنين. أنذهل مستفسراً: أنت موجودة؟ تجيبني والدهشة تغمرها: أنت تعرفني؟ بصوت منتحر ألفظ: سميحة. ولكنك واريتها التراب منذ ثلاثين سنة! ترتل بنبرة مشرئبة من وادي سحيق: ارسمي مخطوط في ورقتك؟ المتجمهرون في أقصي اليمين يرنمون: الشعب يريد أسقاط الذكريات. أبتعد قليلاً لافحص الجسد. هيئتها المضمخة بالعطر الفواح تبعث في جوارحي الونس تتنقل من موضع إلي آخر علي المسرح. مسام جسدها تجذبني إليها: ما موقف المخرج الان؟ الحديث الآن يرتدي لباساً قشيباً. سيمتطي المهتمون بالكلام رهوان البلاغة. وربما ينسكب الاناء! اتفرس للمرة الالف وجهها المدور. أبحث عن وجودي في عينيها الشهباوين: أتراها تحفظ لي بعض الود؟ كيف تحفظ ودا؟ أنسيت أنك قاتلها؟ ألم تمزق صورتها؟ ألم تنثر رفاتها فوق النهر؟ ما الذي جاء بها الآن؟ أيضا أتريد الهرب للمرة المليون؟! تدمع عيناي. تواسيها السماء برقيق الرذاذ. الجمهور يصطخب: المحاكمة أجثو علي ركبتي تواجهني بكتاب أسود. تنشر الصحف. تبتعد أرفع يدي ألتمس الانصات تتحشرج نبراتي: ما أنا بخائن؟ يهاجمني الصدي: كاذب أبتل أنكمش أنزوي يتضخم الصفير. يحفني التابوت: ما أنا بخائن! يأمر السينارست: أطرحوه أرضا. يستطرد: أقذفوه في غيابات الجب. يجهر المخرج: توقفوا. ترميني بالحروف: السلعة مبتذلة. لم أقل مثل هذه العبارات خبأتك في قلبي. رميته بالوهن أحاط الكثيرون بي. أحضروا كرسيا دواراً أجلسوني الآن التابوت أمامي. يقبع ضيفها خلفي. أخشي التذمر ربما يأتي ينتائج وخيمة. وتصيب الطعنات مشهداً. وربما ينقلب إلي كابوس. تأخذني الشوارد: ومن بالتابوت؟ نبوت.. سفروت. ربما أنت.. هي! يا عم هأنا ماثل أمامكم. كعادتها تتأملني وكأنني قادم من زمن سحيق ينبسط وجهها. لا يمكنني الاستمرار في مثل هذا الوضع. أخشي أن يتفحم جسدي بلهب الغدر. لا تتأزم فأنت لم تمتهن الغدر. ربما يبدو الامر علي غير حقيقته! يفتعل المخرج حركات عنيفة. يأمل أن يحتدم الموقف. ولكنني لا أخفيك القول: فالجلسة أعجبتني. وأنحسار الظلمة عن جنبات الذاكرة تريحني. وليذهب المخرج إلي الجحيم. دوما تلسعني سياطه. بقذف في وجوهنا مشاعل الهرج الوامضة. يتكرر العرض للمرة الثامنة عشرة دون أضافات لم تنفعه الاحداث المتماثلة فأيقظ سميحة من مخدعها دون أن يكون لها وجود في النص. كل ليلة أقعد علي المسرح أمتشق بوقاً. أخطب في الناس. ولم تظهر الفتاة إلا هذه الليلة. لا أدري بالضبط كيف وصل اليها هذا المعتوه؟ وما الدور الذي ستلعبه؟ وما المصير الذي ينتظرني؟ تدنو من المقعد الذي أتدلي فوقه. في خضم انشغالي بها عنها تتبدل ستائر الساحة. المشهد تزينه القتامة. أصرخ: لم أغدر. تصخب الضحكات الانثوية الفجة. تكظم صدورهن التأوهات. أدفع عن نفسي الوهن قائلاً: لم أبعها للأوهام. للجوقة نغمات مزلزلة تستمد عنفوانها من حناجر فتية. يسير المخرج ليسكت الجميع. ولكن الالحان تعنف وتيرتها ترتج الاقدام. أنكفي مرة ومرة ولكنها تجذبني قطرات الدمع تترقرق علي وجنتيها. الأن وجب علي الاعتذار. ألم تخلفك ساعة الوصال سكينة وجمالاً؟ ألمحها تبتعد أعدو خلفها. تطير . تثبط همتي تنتكس هامتي علي القاع. هرب المؤلف. لحق به المخرج. تحرر المسرح من دائرة النص. بعض الكومبارس يتعاطفون معي. يحاولون مساعدتي علي النهوض ساقاي لا تحملاني. وكأن جسدي تشتتت مفاصله. تفككت مساميره أرغب النهوض. ولكن نفد الوقود لكمات وكدمات نحتت بدني. عبرني الزمن. ترسبت الندوب. قطعت المقصات أحبالي الصوتية دثرتني الحياة برغوة العوز: أريد أن اتخلص من هدومي. أتعري من الزيف. ربما يعتقدون بجنوني! ومن أين لي القدرة علي الخلع؟! فالظاهر أنني أصبحت منزوع القوة والقدرة! اللحم المترجرج عورة. أتعتقد أن للنظارة غريزة؟ ربما تزينك الشماتة برداء قشيب! غادر ومغدور وبينهما آمال منطفئة ألم ترها وهي تولي الدبر؟! ألم تكفر بصحيفتها؟ أتنغص رؤيتها لبك الشارد؟ يا مخبول في صدرك السر. ألم تتلمس أنني قعيد الآن؟! ألم تحتويك المكايدة والعنت؟! منذ متي والقعود غادرك؟ تدق الطبول تطلق الشمارخ أهازيج وصيحات ظفر. أشب وكأنني فتي في ريعانه تجرفني الامواج.